والشدائد ، ويكون قوله : (رَأَوْهُ) كناية عن ذلك اليوم ، فذكر ؛ لأن اليوم مذكر ، وجعل «زلفة» بلفظ التأنيث ؛ لأنها كناية عن الأهوال التي تكون في ذلك اليوم.
وجائز أن يكون قوله : (زُلْفَةً) ، أي : رأوا تلك الأهوال والشدائد قريبة عن الأوقات التي وعدوا فيها ، فعلموا أنها كانت قريبة منهم وإن كانوا يستبعدونها في هذا اليوم ، وهو كقوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦] ، وقال : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [البقرة : ١٦٥].
وكذلك إذا رأوا شدائد ذلك اليوم وأهواله ، علموا أن الوقت الذي كان يوعدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان قريبا منهم.
وقوله : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا).
فسيئت ، من ساءت ، أي : ساءت وجوههم ، أو قبحت وجوههم بتغير ألوانها.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ).
قال أبو بكر الأصم : معناه : تمنعون وتدفعون كقوله تعالى : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [قريش : ٢] ، وقوله : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣] ، أي : دفعا.
وليس الأمر كما ذكره ؛ لأنه لو كان من الدفع والمنع ، لكان حقه أن يشدد العين ، لا الدال كما شددت في قوله : (يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ، فإذا شددت الدال دون العين ، ثبت أن اشتقاقه ليس من «الدع» ، ولكنه من «الادعاء» ؛ إذ الدال هي المشددة ؛ فتأويله ـ والله أعلم ـ : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) ، أي : هذا الوقت الذي كنتم تكذبون رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتدعون عليه أنه كاذب في الإخبار.
وجائز أن يكون قوله : (تَدَّعُونَ) ، أي : تدعون ، وقد يستعمل الادعاء مكان الدعوة ؛ كما يقال : ذكر واذّكر ، وخبر واختبر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
ففي هذه الآية دلالة أن في حكمة الله مشيئة المغفرة والعقاب لمن ارتكب غير الكفر من الزلات ، وإيجاب العقاب على من اعتقد الكفر والتزمه ، وأن ليس في الحكمة عفو مثله من العقوبة ؛ لأنه قال : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا) فأثبت فيه خيار الإهلاك ومشيئة الرحمة والمغفرة ، ومعلوم بأنه يهلك ومن معه أو يرحم عند ما يبتلى بالزلات ؛ وكذلك قال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ؛ فجعل لنفسه مشيئة المغفرة لمن توقّى الكفر ، وحكم بإيجاب العقاب على من أشرك به.