وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ).
أي : قد ضللنا الطريق ، فكان عندهم أنهم قد ضلوا الطريق لذلك لم يتوصلوا إلى ثمارها ثم ظهر لهم أنهم لم يضلوا الطريق ، بل حرموا بركة الثمار بجنايتهم التي جنوها ، فتذكروا صنيعهم ، وندموا على ذلك ، فأقبلوا بالاستكانة والتضرع إلى الله تعالى ، فتاب عليهم ، فلعل الذي قال : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) يخرج على هذا ، وهو أنا بلونا أصحاب الجنة ، فتذكروا ؛ فرفع عنهم العذاب ، ولم يتذكر أهل مكة فحل بهم العذاب يوم بدر ، كما قال : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون : ٧٦].
وقوله : (قالَ أَوْسَطُهُمْ).
أي : أعدلهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ).
جائز أن يكون معناه : لو لا تصلون الفجر ، ثم تخرجون.
وجائز أن يكون معناه : لو لا تستثنون.
وقد ذكرنا أن في الاستثناء معنى التسبيح ؛ لأن فيه إقرارا بأن الأمور كلها تنفذ بمشيئة الله تعالى ، وأنه هو المغير والمبدل دون أحد سواه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا).
فهذا منهم توحيد وتنزيه.
وفي قوله : (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) اعتراف بما ارتكبوا من الذنوب وإنابة إلى الله تعالى ، وتمام التوبة منهم في قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ).
فذكر (١) المفسرون في قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) ، أي : أقبل بعضهم على بعض باللوم يقول : أنت أمرتنا أن نصرمها ليلا ، وقال هذا لهذا : بل هو عملك أنت. وهذا لا معنى له ؛ لأن هذا يوجب تبرئة (٢) كل واحد منهم عن ارتكاب الذنوب ، وقد سبق منهم الإقرار بالذنب بقولهم : (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ، وبقولهم (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) ، فكيف يبرءون أنفسهم عن الذنوب وقد اعترفوا بها؟! فهذا تأويل لا معنى له ، بل معناه ـ والله أعلم ـ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون على إدخال كل منهم نفسه في ذلك [القول ، فأقبل](٣) كل واحد منهم باللائمة على نفسه حتى يكون [هذا](٤) موافقا لقوله :
__________________
(١) في ب : وذكر.
(٢) في ب : تنزيه.
(٣) في ب : القوم ، أو أقبل.
(٤) سقط في ب.