يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) [النساء : ١٨] ، وقال في المؤمنين : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [النساء : ١٧] ، فثبت أن ما ذكرنا من الحكم هو حكمه في أهل الكفر ، ليس في أهل الإيمان ، والعقل يدل على هذا ، وذلك أن المؤمن قد علم أن الذي سبق منه زلة وارتكاب معصية ؛ فهو ليس يحتاج إلى إثبات آيات فتنبهه على أن الذي فعله زلة ، فجائز أن تقبل منه التوبة في ذلك الوقت كما تقبل منه قبل تلك الحالة ، وأما الكافر فعنده أن ما سبق منه لم يكن زلة ومعصية ؛ فيحتاج إلى آيات تنبهه على غفلته ، وتذكره بأن (١) الذي فعله معصية ، فإذا نزل به البأساء والشدة ، فذلك يمنعه عن النظر والتدبر ؛ فلا يكون إيمانه عن تحقيق ويقين فلا ينفعه.
والثاني : أنه يفزع إلى التوبة والإيمان ؛ ليدفع عن نفسه البأساء ؛ لا ليدوم عليه لو كشف عنه العذاب ؛ كما قال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا) [الأنعام : ٢٨] فهذا لا ينفعه إيمانه.
فإن قيل : إن قوم يونس ـ عليهالسلام ـ قد نفعهم إيمانهم وهم آمنوا بعد ما أيقنوا بالعذاب.
فجوابه من وجهين :
أحدهما : أنه يجوز أن يكون عذابهم موعودا ولم يكن مشاهدا قريبا.
وجائز (٢) أن يكون الله علم صدقهم في إيمانهم لو مكثوا فكشف عنهم العذاب لما كانوا متحققين ، وغيرهم كان يفزع إلى الإيمان ؛ ليكشف عنه العذاب ، ثم يعود إلى كفره ؛ فلم يقبل منه.
وجائز أن يكون من حكم الله تعالى ألا يقبل من أحد التوبة إذا حل به العذاب ، ولكنه يقبلها من المؤمنين ؛ إفضالا وإنعاما ، ولا يتفضل على الكافرين الذين آثروا الدنيا على الآخرة ، وعلى قول المعتزلة : ليست لله تعالى عليه نعمة ولا على أحد من أهل الإسلام ؛ لأن من قولهم : إن الله تعالى إذا علم من كافر أنه يسلم يوما من الدهر وإن كان بعد ألف سنة ، فليس له أن يميته قبل أن يسلم ، وعليه أن يوفقه للتوبة ، وعليه أن يقبل منه التوبة ، فإذا كان هذا كله حقّا عليه للعبد ، لم يكن له موضع نعمة عليه في قبول التوبة ؛ لأن من قضى حقّا عليه وأوصله إلى مستحقه لم يعد ذلك منه إنعاما ؛ فلا يكون لقوله : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) معنى ، وقد قال الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات : ١٧] ، ولو كانت الهداية واجبة عليه ، لم يكن [له عليهم](٣) موضع امتنان.
__________________
(١) في ب : أن.
(٢) في ب : وجاز.
(٣) في ب : لهم عليه.