وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْمُؤْتَفِكاتُ).
قيل (١) : قريات لوط ، ائتفكت على أهلها ، أي : انقلبت عليهم ؛ بما عصت رسلها.
وقيل : المؤتفك : الذي يأتفك من الصدق إلى الكذب ، ومن الحق إلى الباطل ، ومن العدل إلى الجور ، فمن قرأه : ومن قبله بخفض القاف ، كان قوله : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ. فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) واقعا كله على العصيان لموسى ـ عليهالسلام ـ والمراد من المؤتفكات : كل من ائتفك من الحق إلى الباطل ، دون أهل قريات لوط ؛ لأنهم كانوا قبل زمان موسى بكثير.
ومن قرأه : ومن قبله بنصب القاف ، كان قوله : (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) واقعا على رسول [كل فريق](٢) ، كأنه قال : عصى كل أمة رسولها ، وعلى هذا يجوز أن يكون المراد من المؤتفكات قوم لوط ، عليهالسلام.
ثم قوله : (بِالْخاطِئَةِ) ، أي : بالخطايا والشرك.
وذكر أبو معاذ عن مجاهد في تفسير الخاطئة الشرك والكفر ، وأنكر ذلك ، واحتج بأن الله ـ تعالى ـ لم يذكر من قوم لوط ـ عليهالسلام ـ كفرا وشركا في كتابه ، إنما ذكر [ركونهم للفاحشة](٣) وبها أهلكوا ؛ إذ لم ينزعوا ولم يتوبوا.
قال : ولو كانوا مشركين ، لم يقل لهم لوط : (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨] ، أراد بذلك الإنكاح (٤) والكافر لا يصح منه نكاح المسلمة.
وليس كما زعم ، بل كانوا أهل شرك وكفر بالله تعالى ؛ ألا ترى إلى قوله فيما حكى عن قوم لوط من قولهم (٥) : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء : ١٦٧] ، فإخراج الرسل من أماكنها من صنيع أهل الكفر.
وقال في موضع آخر : (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [النمل : ٥٦] فطابت أنفسهم بإخراج لوط ـ عليهالسلام ـ من قراهم ، ومن فعل ذلك ، لم يشك في كفره.
وقال في قصة لوط أيضا : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات : ٣٥ ، ٣٦] ، فثبت أنهم كانوا كفارا.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٣٤٧٤٧) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٤٠٦).
(٢) في ب : ربهم.
(٣) في ب : ركوبهم الفاحشة.
(٤) في ب : بالإنكاح.
(٥) في أ : قوله.