مسكنا لأهلها ، وبسط الأرض مسكنا لأهلها ، حتى إذا عرفوا هذا عرفوا أن له أن يفضل بعضا على بعض ، وله أن يصطفي من يشاء من الناس للرسالة ويختص بها.
وذكرهم ـ أيضا ـ حكمته وعلمه وقدرته وسلطانه (١) حيث وضع سماء على سماء ، وخلقهن طباقا من غير عمد تحتها تمسكها ، أو علائق من فوقها تربطها ، فتبين أنه يمسكها بحكمته وقدرته وسلطانه ؛ فيكون في ذكر كل وجه مما ذكرنا إزالة الشبهة التي اعترضت لهم في أمر البعث والرسالة وإيضاح بأن من قدر على ما ذكرنا لقادر على الإعادة بعد الإفناء.
وقيل (٢) : المعارج : المعالي ، أي : الذي له العلو والرفعة ، كما قلنا في قوله : الحمد لله ، أي : لا أحد (٣) يستحق الحمد في الحقيقة ، وما حمد أحد إلا وذلك في الحقيقة لله ـ تعالى ـ لأنه به استفاده ، فعلى ذلك قولنا : له العلو والرفعة ، أي : ليس أحد يستفيد العلو والكرامة إلا وحقيقة ذلك لله ـ تعالى ـ لأنه استفاده به.
والثاني : أي : هو الموصوف بالعلو والجلال عما (٤) يقع عليه أوهام الخلق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) يحتمل أن يكون معنى قوله : (تَعْرُجُ) ليس عن (٥) هبوط يصعد ويعرج ، لكن أنشأهم كذلك معروجين ؛ كقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) [الزمر : ٦] ، أي : أنشأهم كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [الرحمن : ٧] ليس أنها (٦) كانت في موضع منحط فرفعها ، لكنه كذلك خلقها مرفوعة ؛ فعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ) ، أي : أنشأهم كذلك ليستعملهم (٧)(فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
ووجه آخر ـ وهو الأشبه بالآية ـ : وهو ما قالوا : إن الملائكة تعرج إليه ؛ أي : إلى الموضع الذي منه (٨) أرسلهم إلى أنواع الأمور في يوم لو قدر ذلك العروج بعروج البشر
__________________
(١) زاد في أ : أنه.
(٢) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن جرير (٣٤٨٥٣) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤١٦) وعن قتادة مثله.
(٣) زاد في ب : من.
(٤) في ب : كما.
(٥) في ب : عين.
(٦) في ب : أنه.
(٧) في أ : استعملهم.
(٨) في أ : عنه.