وسيرهم ، لكان مقدار خمسين ألف سنة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، وقال في موضع آخر : (أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة : ٥] ، فيحتمل أن يكون هذا الوقت وقت تقدير عروج الملائكة وصعودهم ، وهو أن البعض ينزل (١) منهم ، ثم يعرج (٢) في يوم واحد ، مقدار ذلك المسير ألف عام ، والبعض منهم ينزل ويعرج في يوم واحد مسيرة خمسين ألف سنة ؛ فيكون في هذا إبانة أن ليس أهل سماء أحق أن يدور عليهم تدبير أهل الأرض من أهل سماء ؛ بل ينزل أهل سماء إلى [أهل](٣) الأرض مرة ؛ لما يراد من تدبير ، وينزل أهل سماء أخرى بتدبير آخر ، ثم [من] أي سماء يرسل ، فهو يصعد إلى تلك السماء [في] يوم واحد ، إن أرسل من السماء السابعة أو السادسة أو الأولى ، فهو يصعد إليها في ذلك اليوم ، فيكون (٤) في هذا تبيين قوة بعض الملائكة على بعض : أن فيهم من يسير مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد ، وفيهم من يسير مسيرة ألف سنة ، ومن قدر على أن يخلق في خلق من خلائقه من القوة ما يقطع هذه المسافة في يوم واحد ، لا يحتمل أن يعجزه شيء ؛ فيكون في ذكر هذا تحقيق كون ما به هول أمر القيامة والبعث.
وجائز أن يكون قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) راجعا إلى يوم القيامة ، فذكر في موضع أن مقداره ألف سنة ، وذكر هاهنا أن مقداره خمسين ألف سنة ، والأصل أن (٥) ذلك اليوم ليس بذي حد ولا له غاية ينتهى إليها ، فما يخبر من الحد فيه ، فهو يخرج مخرج تعظيم ذلك اليوم ؛ ليقع به التهويل والتقريع ، فبأي شيء يعظم ذكره في القلوب [يذكره](٦) ؛ فمرة ذكره بالخلود ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) [ق : ٣٤] ، ومرة قال : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) [النبأ : ٢٣] ، ومرة قال : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، ومرة قال : (أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة : ٥] ، إذ هذه الأشياء مما يعظم [ذكرها](٧) في القلوب ، وكذلك الألف هي عظيمة في القلوب ، فإذا كانت هذه الأشياء يعظم ذكرها في القلوب فذكر الشيء الواحد من الجملة (٨) أو ذكر الأشياء يقتضي معنى واحدا.
__________________
(١) في ب : يتنزل.
(٢) في أ : يعرض.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : ويكون.
(٥) في ب : في.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : الحكمة.