حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ، وقال : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) [الكهف : ٦] ، فالرسل ـ عليهمالسلام ـ كانوا إذا أوذوا لم يكونوا يحزنون لمكان (١) أنفسهم بما أوذوا ، بل كانوا يحزنون لمكان (٢) من يؤذيهم خوفا من أن يحل بهم الهلاك والبوار بإيذائهم رسل الله تعالى ، وإشفاقهم على قومهم هو الذي كان يحزنهم ؛ [ليس سوء](٣) صنيعهم ومعاملتهم معهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) ، أي : بعيدا أن يكون ، فيكون على النفي والإنكار ، وقد يستعمل هذا الحرف في موضع النفي ؛ يقول الرجل في المناظرة لصاحبه : أبعدت في القول ؛ إذا أجاب بشيء لا ثبات له ولا صحة ، فيريد بقوله : «أبعدت» : النفي ؛ أي : ليس كما تقول ، وقال الله تعالى : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] ، ومعناه على [نفي النداء](٤) ؛ أي : لا ينادون.
أو أن يكون قوله : (بَعِيداً) أي : مستبعدا كونه ، فبعد عن أوهامهم حتى أنكروه.
(وَنَراهُ قَرِيباً) ، أي : قريبا كونه ، إن كان معنى قوله : (بَعِيداً) أي : بعيدا كونه.
أو (وَنَراهُ قَرِيباً) ، أي : كائنا ، وقد قرب وقت وقوع ذلك بهم ، وكل ما هو كائن فهو قريب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) ، فكأنهم سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الوقت الذي وعدوا أن يقع بهم العذاب متى وقته؟ فنزلت [هذه](٥) الآية (٦) : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ).
وقيل (٧) : المهل : عكر الزيت ، وهو درديّه ؛ فجائز أن يكون هذا على التحقيق ، وهو أنها تتغير في ذلك اليوم من لون إلى لون ، فتحمر مرة ، وتصفر أخرى ؛ لشدة هول ذلك اليوم ، فتكون كدردي الزيت لينا ولونا متغيرا من حال إلى حال.
وجائز ألا يحل بها التغير ، ولكن شدة ما ينزل بالمرء من الهول والفزع يضعف بصره حتى يرى السماء على خلاف اللون الذي هي عليه ، وهو كما يرى المرء إذا حل به
__________________
(١) في ب : بمكان.
(٢) في أ : بمكان.
(٣) في أ : لسوء.
(٤) في ب : النفي في النداء.
(٥) سقط في ب.
(٦) زاد في ب : وهو قوله.
(٧) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٣٤٨٧١) وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤١٨).