أو يكون معناه : أن يبصروا ما سبق منهم من الذنوب والأجرام ، فيعرفونها ، وتصير لهم حاضرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ* وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ففي هذا أنه (١) يستقبلهم في ذلك هول وفزع لم يكن لهم بمثله عهد في الدنيا ، ولا كان خطر ببالهم ذلك ؛ لأن المرء لا يبلغ به الهول في الدنيا مبلغا يود أن يفتدي به ببنيه وصاحبته ، وأخيه ، وأقربائه ، وجميع من في الأرض ؛ فيكون فيه إخبار عن شدة هول ذلك اليوم ؛ ليحمل الناس على الإنابة [إلى الله](٢) تعالى والانتهاء عما نهاهم عنه.
ثم بدأ بذكر البنين والأقربين وأنهاه بالأبعدين ، وحق هذا أن يبدأ بالأبعدين ، ثم يختم بذكر الأقربين (٣) ؛ لأن المرء قد تسخو نفسه بفداء الأبعدين ، ويضن ببذل الأقربين فداء ، فإذا سخت أنفسهم في ذلك اليوم بفداء البنين والأقربين فلأن تسخو بفداء الأبعدين أحق ، وإذا كان كذلك فغاية التهويل والتفزيع أن يبدأ بذكر الأباعد ، ويختم بذكر الأقارب ، فكيف ابتدأ بذكر الأقربين؟ فجوابه من وجهين :
أحدهما : أنه إنما يتوصل إلى فداء أهل الأرض إذا كان له عليهم ملك وكانوا بأجمعهم له ، وإذا كانوا جميعا له ملكا ، كانت شفقته على ملكه وأولاده واحدة أو أكثر ، فكما يضن ببذل أولاده ، وأن يكونوا عنه [فداء](٤) ، فكذلك يضن بالأباعد إذا (٥) كانوا جميعا ملكا له ؛ فلذلك استقام أن يبدأ بذكر الأقربين قبل الأبعدين ، إذ كل ذلك يستوي في التهويل والتفزيع ، والله أعلم.
وجائز أن يكون ذكر الأقربين وذكر أهل الأرض ليس على جهة الأولى ، ولكنه ذكر الآحاد أولا ، ثم ذكر الجماعة ثم ذكر جماعة الجماعة ؛ ليعلموا ألا ينفعهم الفداء في ذلك اليوم ، وأن الذين ودوا الفداء ؛ ليتخلصوا من عذاب الله تعالى لا يشتد عليهم ما فدوا ، وإن كان ذلك ملء الأرض ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يُنْجِيهِ) رد وتنبيه ألا ينجيه ذلك اليوم.
__________________
(١) في أ : هذه الآية.
(٢) في ب : لله.
(٣) في ب : الأبعدين.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : إذ.