شيء ، ولا يخافون [من شيء](١) في العاقبة ، ثم يقومون (٢) بنصر الأصنام ، فأنتم أحق بنصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ إذ تطمعون نيل الجنة والدخول فيها بنصركم إياه ، والله أعلم.
ومنهم من حمله على إيجاب الطمع ، وهو أنهم كانوا يطمعون دخول الجنة ونيل نعيمها إذا رجعوا إلى ربهم ؛ ظنّا منهم أنهم إذا ساووا المسلمين في نعيم الدنيا وسعتها ، فكذلك يساوونهم في نعيم الآخرة ، كما قال الله تعالى خبرا عنهم : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠] ، وقال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ..). الآية [الجاثية : ٢١] ، هكذا ظن الكفرة أنهم إن رجعوا إلى ربهم فسيجدون عنده خير منقلب ، فقال تعالى : (كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ، فقوله (٣) : (كَلَّا) على هذا التأويل رد لاعتقادهم وقطع لأطماعهم ، فقال : (كَلَّا) أي : لا يدخلونها قط ، ثم استأنف الكلام فقال ـ عزوجل ـ : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ).
وعلى التأويل الأول : (كَلَّا) بمعنى : حقّا أنهم لا يطمعون ، ثم استأنف بقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ، أي : من تلك النطف ؛ فيذكرهم بهذا عظيم نعمه وإحسانه إليهم بما أخرجهم منها ونقلهم من حال إلى حال حتى صاروا بشرا سويّا ؛ ليعلموا أنه (٤) لا يتركهم سدى ؛ بل ليمتحنهم (٥) ويستأدي منهم شكر ما أنعم عليهم ؛ فيوجب ذلك تصديق الرسل.
وفيه تذكير قدرته وسلطانه ، وبيان ضعف ابتدائهم ؛ ليعلموا أن من قدر على إنشائهم (٦) لقادر على أن يحييهم بعد ما أفناهم ، والله أعلم (٧).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ..). [الآية](٨).
ذكر المشارق والمغارب : ذكر السموات والأرض ، وفي ذكرهما ذكر أهل السموات [وأهل الأرض](٩) ، فيكون معناه : فلا أقسم برب الخلائق أجمع ، ويكون حرف «لا» زائدا في الكلام تأكيدا للقسم على ما يذكر ، فيكون معناه : فلا أقسم.
ثم حق هذا القسم أن يقول مكان قوله : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) : «فلا أقسم بي» إذا كان القسم
__________________
(١) في ب : شيئا.
(٢) في أ : يقولون.
(٣) زاد في ب : له.
(٤) في ب : أنهم.
(٥) في أ : ليمنحهم.
(٦) في أ : إشفائهم.
(٧) في ب : الله الموفق.
(٨) سقط في ب.
(٩) في أ : والأرضين.