من الله تعالى ، هذا هو [ظاهر الكلام](١) في متعارف اللسان ، ولكن يحتمل هذا وجوها :
أحدها : أن يكون هذا القسم من النبي صلىاللهعليهوسلم كأنه علمه أن يقسم به ويقول له : قل يا محمد : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ).
وإن كان هذا قسما من الله تعالى فهو مستقيم ـ أيضا ـ من وجهين :
أحدهما : على الإضمار ؛ كأنه قال : فلا أقسم بي ؛ فأنا رب المشارق والمغارب.
والثاني : وإن كان هذا القسم من الله تعالى يستقيم بلفظ الغائب كما يستقيم بلفظ الحاضر ؛ لأن الخلق كله لله شهود ، وليس هو شاهدا للخلق ، فيخرج الكلام بينهم على ما يخاطب الغائب ، ومرة على الوجه الذي يخاطب به الشاهد ، ومثل هذا مستعمل في متعارف اللسان ، والله أعلم.
وفي الآية دلالة على أن ملك السموات والأرضين ومدبرهما واحد ؛ إذ لو لم يكن كذلك لكان لملك السماء أن يمنع الشمس والقمر والكواكب من إيصال النفع إلى أهل الأرض ، ويكون لملك الأرض أن يمنع ملك السماء عن الإغراب في الأرض.
ثم الذي يشرق ويغرب منذ خلق يجري على ما جرى عليه التدبير جريا واحدا لم يقع فيه تغيير ولا تبديل ، ولو كان لله تعالى فيه شريك لكان لا بد من وقوع التغيير فيها ؛ فثبت أن تدبير (٢) السموات والأرضين (٣) وتدبير سلطانهما راجع إلى الواحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا لَقادِرُونَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) هذا موضع القسم ، فجائز أن يكون أريد به : أن يبدل الخير منهم ، فيجعل مكان ما كانوا من الشر خيرا ؛ كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] وقد فعل ذلك ؛ لأنهم أسلموا.
ويحتمل أن يكون أراد به أن يبدل قوما خيرا منهم.
ثم هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : على تحقيق القدرة.
والثاني : أن يكون معنى القدرة [إرادة الفعل](٤).
أما الأول فعلى وجهين :
أحدهما : على معنى تخويف أهل مكة أنهم إن لم ينتهوا عن ذلك ، أنزل الله تعالى
__________________
(١) في ب : الظاهر في الكلام.
(٢) في ب : تغيير.
(٣) في ب : الأرض.
(٤) في ب : الإرادة للفعل.