مكانهم من هو خير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والبدل لا يكون إلا بعد المبدل عنه ، وقد فعل الله تعالى ذلك بهم ، أهلك المعاندين منهم ، وأبدل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أولادهم والمهاجرين منهم والأنصار الذين آووا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونصروه.
والثاني : أي : كنا قادرين على أن نجعل المرسل إليهم خيرا منهم ؛ إذ قد علموا من قدرة الله عزوجل أنه هو الذي خلقهم وأنشأهم ، لكن إنما أرسل إليهم وأمرهم ؛ لحاجات أنفسهم ، لا لنفع يرجع إليه (١) ، ليس على ما عليه ملوك الدنيا ، لكنه إنما امتحنهم بالأمر ليسعوا في نجاة أنفسهم ، ونهاهم ؛ ليفكوا (٢) رقابهم من النار ؛ فيكون فيه تسكين قلب النبي صلىاللهعليهوسلم عند وجده عليهم حيث لم يؤمنوا.
وأما الوجه الثاني : أن يكون معنى القدرة إرادة الفعل خاصة ؛ إذ قد يكنى بالقدرة عن الفعل إذ هي سبب الفعل ؛ كالأمر المعتاد بين الخلق يأمر رجل آخر بفعل فيقول : لا أستطيع ولا أقدر ، أي : لا أفعل ، وعلى هذا تأويل قوله ـ عزوجل ـ (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) [المائدة : ١١٢] أي هل يفعل ذلك فعلى هذا تأويل هذا تأويل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لَقادِرُونَ) ، أي : لفاعلون ما هو خير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بدلا عن هؤلاء.
فإن كان على هذا فيكون فيه بشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه يجعل له أصحابا يرضاهم ، ويكون فيه إخبار الله ـ [عزوجل] ـ لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنصر والغلبة على المكذبين منهم ، ويكون فيه إنباء لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لا ينفذ فيه مكرهم وإن اجتهدوا ، ويكون فيه إعلام أنه ينتقم منهم له ويعذبهم ، وقد فعل ذلك [كله](٣) بحمد الله ـ عزوجل ـ والله المستعان ؛ حيث بدل من أهل مكة أهل المدينة ، وكانوا خيرا منهم ؛ لأن أهل مكة كانوا عليه ، وأهل المدينة كانوا له ، فكانوا هم خيرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ).
والمسبوق : المغلوب ، فكأنه قال : لا يسبقنا أحد ولا يعجزنا أحد عن ذلك ، ولا يفوتنا أحد فيما نريده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا)
قال أبو بكر : الخائض : المتحير ، واللاعب : الخاطئ ، فقوله : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي : دعهم فيما هم [فيه] من خطاياهم وتحيرهم في دينهم ، فكل من اشتغل بما لا يحتاج (٤) له فهو خائض لاعب ، وأصله أن كل أمر لا عاقبة له [تحمد فهو فيه لاعب
__________________
(١) في ب : إليهم.
(٢) في أ : ليكفوا.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : يحتج.