السماء عليهم مدرارا ؛ فيتوسعوا به ، على ما قال [به](١) بعض أهل التأويل : إن الله تعالى [قد](٢) حبس عنهم المطر ، وعقمت أرحام نسائهم ، وهلكت مواشيهم وجناتهم لتمام أربعين سنة ، ثم أهلكوا بعد ذلك ، وكانوا كلهم كفارا ، ليس فيهم صغير ؛ فلذلك كان (٣) نوح ـ عليهالسلام ـ يعدهم بما ذكرنا ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكونوا خافوا انقطاع النعمة عنهم بالإجابة وزوال السعة عنهم [بالإسلام](٤) ومن الناس من يترك الإيمان خشية هذا ، فأخبر ـ عزوجل ـ أن الذي هم فيه من رغد العيش لا ينقطع عنهم بالإسلام ، بل يرسل [عليهم المطر](٥) من السماء مدرارا متتابعا ، ويمددهم بأموال وبنين مع ما (٦) يجعل لهم من الجنان (٧) والأنهار ، لكن ذوو الألباب والعقلاء ينظرون إلى حسن العاقبة وما إليه مآل الأمر دون الحال ، فذلك الذي يرغب (٨) فيه ؛ ولذلك اختلفت دعوة النبي عليهالسلام لأمته : فمنهم من بشره بكثرة أمواله وبنيه ، ومنهم من رغبه في آخرته ، (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٨] ، وقال : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ ..). الآية [آل عمران : ١٥].
ونظير الأول كقوله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦].
والأصل أن الرسل ـ عليهمالسلام ـ بعثوا مبشرين ومنذرين ، داعين ، زاجرين ، محتجين ، مدحضين ، فما تلوا عليهم من أنباء الأولين دخل فيهم جميع الأوجه الثلاثة ؛ إذ النذارة والبشارة مرة تقع بالابتلاء ، ومرة بذكر ما ينزل بالمتقدمين المصدقين منهم والمكذبين ؛ أن كيف كان عاقبة هؤلاء وهؤلاء.
وكذلك [دعاء الرحمة](٩) يكون مرة بابتداء الدعاء ، والزجر ، وبذكر الأمم السالفة ، وأن الرسل كيف [كانوا يدعونهم](١٠) ثانيا للحق ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : قال.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : المطر عليهم.
(٦) في أ : مما.
(٧) في ب : الجنات.
(٨) في ب : يرغبه.
(٩) في ب : الدعاء والرحمة.
(١٠) في ب : كان دعائهم.