وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً).
قال أبو بكر الأصم : تأويله [كيف](١) لا ترجون لله ثوابا فتعبدوه فيثيبكم بها ، وقد علمتم أن الخير كله في يده ، وأن الذي تعبدون من دون الله لا يملكون لكم نفعا ولا يدفعون عنكم ضرّا ؛ فجعل قوله : (وَقاراً) مكان «عبادة» ، والله أعلم.
وقال غيره : [(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) ، أي :] ما لكم لا ترجون لأنفسكم عند الله منزلة وشرفا وقدرا.
وقال بعضهم (٢) : [أي :](٣) ما لكم لا تخافون عظمة الله وقدرته عليكم ؛ فتنتهوا عما نهاكم وتأتوا ما أمركم به ، وحمل الرجاء على الخوف ؛ لما قد ذكرنا أن الرجاء المطلق يقتضي الخوف والرجاء جميعا ، وكذلك الخوف المطلق يقتضي رجاء ، والله أعلم.
والأشبه بالتأويل عندنا : أن الرجاء لله تعالى على مثال الغضب لله ، والحب لله ، والبغض لله ، أي : ما لكم لا تسعون سعي من يرجو ما عند الله على الوقار والهيبة ، بعد أن شاهدتم من نعم الله تعالى وإحسانه إليكم من خلق السموات والأرض ، وتسخير الشمس والقمر ، وما ذكر من منته في الآيات التي يتلوها ؛ وذلك أن المرء إذا سعى لآخر على غير رجاء أو لم يرج أحدا ، استحقر به ، فألزمهم (٤) نوح ـ عليهالسلام ـ سعي من يرجوه على التوقير والهيبة على ما عليه العادة في الشاهد أن الساعي للملوك والكبراء على الرجاء كيف يكون منهم توقيرهم إياهم وهيبتهم منهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً).
فمن حمل قوله : (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) على حقيقة الرجاء ، فتأويله : كيف لا ترجون أن يعظم قدركم عند الله ـ عزوجل ـ إذا أجبتم إلى ما دعاكم إليه ، وفيما ذكر من خلقه إياهم أطوارا تذكير لهم حسن صنيعه بهم فيما قلبهم من حال إلى حال من أول ما أنشأهم إلى حالهم التي هم فيها ، فكيف لا يرجون إحسانه في حادث الأوقات إذا أقبلوا على طاعته واشتغلوا بعبادته؟!
وإن كان قوله ـ عزوجل ـ : (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) على الخوف ، ففيما ذكر من قوله ـ عزوجل ـ : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) تذكير العظمة والسلطان والقدرة ، وهو أنه دبركم في تلك الظلمات الثلاث ، ولم يخف عليه أحوالكم فيها ، بل قلبكم من حال إلى حال كيف شاء ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٢٥).
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : ما لزمهم.