فكيف يخفى عليه أفعالكم في حال بروزكم وظهوركم ؛ فيكون في [ذكر](١) هذا تنبيه أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال الخلق فيدعو ذلك إلى المراقبة ، ويلزم التيقظ والتبصر في كل حال ؛ لئلا يتعدى حدود الله ، ولا يضيع حقوقه ، فيحل به البوار والهلاك.
فإذا حملت التأويل على الرجاء ، فهو يخرج على غير التأويل الذي حملته على الخوف ؛ لأنك إذا حملته على الرجاء كان فيه تذكير عظيم مننه ، ونعمه عليهم من أول ما أنشأهم إلى الوقت الذي انتهوا إليه ؛ فيحملهم ذلك على طلب ما يشرف قدرهم عند الله تعالى ، ويحمد عاقبتهم.
وإن حملته على الخوف ، كان فيه تذكير القدرة والسلطان ؛ فيحملهم على المراقبة والاتقاء في حادث الأوقات.
ومن حمل قوله : (وَقاراً) على العبادة ، فهو يخرج على غير الوجهين الذين ذكرناهما في الخوف والرجاء إذا صرف إليهما التأويل ، كأنه يقول : إن الذي خلقكم أطوارا قد تعلمون أنه حكيم [ومن هو حكيم](٢) لا يسفه ، وترككم سدى لا يأمركم ولا ينهاكم ، ولا يستأدي منكم شكر النعم ـ سفه ؛ فيكون في ذكر هذا ترغيب في العبادة وإخلاص الطاعة.
ويكون في ذكر هذا أيضا إثبات (٣) الربوبية وإلزام القول بالوحدانية ؛ لأنه أنشأهم من أول ما أنشأهم نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة إلى أن خلقهم بشرا سويّا ، فلو لم يكن المدبر والمنشئ واحدا ، لكان يعجز عن تقليبه من حال إلى حال ؛ لأنه إذا أراد أن ينشئ من النطف علقة ، ومن العلقة مضغة ، كان للآخر أن يمنعه عن تدبيره ؛ فلا يتهيأ له إنشاء علقة ولا مضغة ، فارتفاع المانع دليل على أن لا مدبر سواه ، ولا خالق غيره.
وإذا ثبت انفراده بما ذكرنا ثبت أنه هو المستحق للعبادة من الخلائق.
وقال بعضهم : معنى قوله : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) ، أي : مختلف الأخلاق والصور والألوان والألفاظ والأصوات والنغم ؛ حتى لا يرى أحد يشبه آخر بجميع خلقته (٤) ، وهذا من عظيم (٥) ما يستدل به على قدرته وحكمته ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً)
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : تثبيت.
(٤) في ب : خلقه.
(٥) في ب : عظم.