يعاملنا بالإفضال والإنعام.
وعلى قول المعتزلة من ارتكب كبيرة ، ردت عليه حسناته ، وصار عدوّا لله تعالى ، وخلد في النار أبد الآبدين ، والله يقول : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) [النساء : ٤٠] ، وأولى الحسنات التي يستوجب عليها المضاعفة هو الإيمان بالله تعالى ، فلا يجوز أن يخلد في النار ، ويذهب عنه منفعة الإيمان ، تعالى الله عما يقولون (١) علوّا كبيرا.
ثم قوله : (بَخْساً وَلا رَهَقاً) يحتمل وجهين :
أحدهما : البخس : النقصان ، أي : لا ينقص من حسناته ، والرهق : الظلم ؛ كقوله تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه : ١١٢] ، وأن يحمل عليه من سيئات ارتكبها غيره.
والثاني : (فَلا يَخافُ بَخْساً) ، أي : ألا تقبل حسناته إذا تاب ، (وَلا رَهَقاً) أي : ظلم ؛ فلا يحسب له من حسناته شيئا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ)
القاسط : الجائر والمقسط : العادل.
ثم في العدل ثلاث لغات ؛ يقال عدل عنه : إذا مال وجار (٢).
وعدل به : إذا جعل له شريكا وعديلا.
وعدل فيه : إذا حكم بالعدل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) :
التحري والتوخي هو القصد ؛ فكأنه يقول : قصد (٣) الرشد بالإسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً).
قال أبو بكر الأصم : دلت الآية على أن للجن لحما ودما كما للإنس (٤) ؛ [لأنه](٥) قال في الإنس : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [البقرة : ٢٤] ، فلو لم يكونوا لحما ودما ، لم يصيروا لجهنم حطبا.
ولكن هذا لا يدل ؛ لأن اللحم من شأنه أن يحترق وينضج ، ولا يصلح أن يكون وقودا ، ولكن الله تعالى باللطف ، صير لحمان الإنس وقودا ، ليس أن صار حطبا بما كان
__________________
(١) في ب : يقول الظالمون.
(٢) زاد في ب : إذا لذلك.
(٣) زاد في ب : أي قصد.
(٤) في أ : كالإنس.
(٥) سقط في ب.