[المدثر : ١٧] فجائز أن يكون الصعد ، والصعود على التحقيق ؛ كما ذكره أهل التفسير : أنهم يكلفون الصعود على جبل من نار ، فلا يقدرون إلا بعد شدة عظيمة ، ثم إذا بلغوا أعلاها يهوون فيها ، فيكون ذلك دأبهم.
وجائز أن يكون على التمثيل ؛ وذلك لأن الصعود أشد من الهبوط ؛ فيكون الصعود عبارة عن المشقة هاهنا : أنه يستقبله ما يشق عليه.
وقيل : المشقة التي عليهم هي ما يحل بهم من العذاب متتابعا عذابا بعد عذاب.
وقال القتبي : الصعود : المشقة ، يقال : صعد عليّ هذا الأمر : يشق عليّ.
وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «ما يصعدني أمر ما يصعدني خطبة النكاح» ، أي : ما يشق عليّ ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) :
أي : ما يسجد فيه ، وما يسجد به ، فما يسجد فيه هو البقاع ، وما يسجد به هو الجوارح ؛ فكأنه يقول بأن البقاع التي يسجد فيها والأعضاء التي يسجد بها لله تعالى ؛ لأنه هو الذي خلقها وأنشأها ، والمساجد التي بنيت فإنما تبنى لعبادة الله تعالى ، وليدعى فيها فلا (١) يشركوا غيره في العبادة والدعاء.
وقال بعضهم : أراد بالمساجد المسجد الحرام ؛ روي ذلك عن الضحاك وغيره (٢) ؛ فكأنه إنما صرف التأويل إلى المسجد الحرام ؛ لأن هذه السورة مكية ولم يكن في غيرها من البقاع مساجد.
وقال بعضهم : المساجد هاهنا البيع والكنائس ؛ لأن البيع والكنائس بنيت ؛ ليعبد الله تعالى فيها ، فنهاهم أن يعبدوا فيها غير الله تعالى ، فيخرج (٣) هذا مخرج الاحتجاج أنكم قد علمتم أن المساجد بنيت لتعبدوا (٤) الله فيها فلا تعبدوا فيها غيره ، وإذا كان الله منشئها وخالقها دون غيره ، فكيف تشركون معه غيره في العبادة والدعاء وليس هو بمنشئ لها؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً).
جائز أن يكون على الدعاء نفسه ، فيكون معناه : ألا تدعوا مع الله أحدا ؛ لأن الإله اسم المعبود ، [و] كان القوم إذا عبدوا شيئا سموه : إلها ؛ فيقول : لا تدعوا مع الله أحدا [إلها ؛
__________________
(١) في ب : ولا.
(٢) منهم ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٣٦).
(٣) في ب : فخرج.
(٤) في ب : ليعبد.