وكذلك قال في قوله : (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] : إن إحاطته هي أن يعصمه من الناس من أن يصل إليه منع الناس إياه عن تبليغ الرسالة.
ويحتمل أن يكون الملائكة جعلوا رصدا عن الجن عن استراق ما يوحى إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وعن تلقيه ؛ حتى يكون الرسول هو الذي يبلغ إلى الخلق ، ويشتهر ذلك فيما بين الخلق أن الرسول هو الذي قام بتبليغه إلى الخلق ؛ لأنهم إذا لم يجعلوا رصدا ؛ أمكن الجن أن يسترقوه ويبلغوه ؛ فيأتوا بلدة لم ينتشر (١) عندهم علم ذلك من جهة الرسول ؛ فيعرفوا ذلك من عند الجن قبل أن يبلغهم الرسول ، فإذا بلغ الرسول من بعد ، التبس الأمر على الذين ظهر فيهم العلم من جهة الجن ؛ فجعل عليهم رصدا ؛ [حتى](٢) ينتشر علم ذلك من جهة الرسول ؛ فترتفع الشبه.
أو يكون الرصد لمنع الجن الذين سمعوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبلغوا قومهم من الجن ؛ حتى ينتهي الخبر إليهم من جهة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم (٣) : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) : إن الملائكة كانوا يرصدون النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا جاءه الملك ، قالوا : هذا وحي من الله تعالى ، وإذا جاءه الشيطان أخبروه به.
ولكن هذا بعيد ؛ لا يحتمل أن يخفى عليه وحي الشيطان من وحي جبريل عليهالسلام.
وقال بعضهم (٤) : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، أي : من بين يدي من يبلغ الرسالة إلى الرسول ، وهو الملك الذي ينزل بالوحي ، جعل بين يديه ومن خلفه ملائكة يرصدونه ؛ كيلا يستلب الشيطان عنه (٥) ، ويحدث فيه حدثا من التغيير والتبديل ؛ ليعلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه إنما يبلغ إليه رسالات ربه.
وهذا بعيد أيضا ؛ لأن للمبلغ [من القوة](٦) ما يدفع أذى الجن عن نفسه ، وهو أمين لا يخاف منه التغيير والتبديل حتى يجعل عليه الرصد ؛ فيؤمن من تبديله ؛ ألا ترى إلى قوله ـ عزوجل ـ : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [التكوير : ٢٠ ، ٢١] ، فوصفه الله تعالى بالقوة والأمانة جميعا.
لكنه جائز أن يكون المبلغ ممتحنا بالتبليغ ، والذين معه من الرصد امتحنوا بأمور أخر ،
__________________
(١) في أ : يتيسر.
(٢) سقط في ب.
(٣) قاله الضحاك أخرجه ابن جرير عنه (٣٥١٥٥).
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٥١٦٤) وله طرق أخرى ذكرها السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٤٣٨).
(٥) كذا في أ.
(٦) في أ : بالقوة.