بالخطاب بقوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) [المزمل : ١] ؛ لأنه لو لم يكن الفرض شاملا لهم ، لم يكن لقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) معنى ؛ ألا ترى أنه إذا لم يفرض علينا قيام الليل في يومنا هذا ، لم نحتج في ترك القيام إلى أن يتوب الله علينا.
ثم إن الله تعالى ذكر في التوبة وفيما فيه التبع (١) خطابا يجمع الجميع بقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ، وبقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) وذكر فيما فيه الأمر خطابا يقتضى الآحاد ، وهو قوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) [المزمل : ٢ ، ٣] ؛ ففي هذا أنه قد يجوز أن يخاطب النبي صلىاللهعليهوسلم على إدخال غيره فيه تبعا له ، ولا يجوز أن يخاطب غير النبي صلىاللهعليهوسلم ويراد به إشراك النبي صلىاللهعليهوسلم في ذكر الخطاب ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو المتبوع ؛ فجاز إلحاق غيره به ، وغيره لا يكون متبوعا حتى يلحق به رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ) :
فيه أن الليل والنهار ليسا يمضيان على الجزاف ؛ ولكن بتقدير سبق من الله ـ عزوجل ـ وآية ذلك ظاهرة ؛ لأنهما يجريان مذ خلقهما (٢) على تقدير واحد ، لم يتقدما ، ولم يتأخرا ، ولم ينتقصا ولم يزادا (٣) ؛ فيكون فيه إبانة أن مدبرهما واحد ، وأن الذي قدرهما هكذا ممن لا يبيد ملكه ، ولا ينفذ سلطانه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) :
قال بعضهم (٤) : علم أن لن تطيقوه.
قال أبو بكر الأصم : هذا لا يستقيم ؛ لأنه لا جائز أن يكلفهم الله تعالى ما لا يطيقونه ؛ ألا ترى إلى قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].
وليس فيما ذكره أبو بكر ما يدفع هذا التأويل ؛ لأنه يقال للأمر إذا اشتد وتعسر : لا يطاق هذا الأمر ، وإن لم يكن ذلك خارجا من الوسع ؛ ألا (٥) ترى إلى [قوله تعالى](٦) : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) [البقرة : ٢٨٦] ، وتأويله : لا تحملنا أمرا يشتد علينا عمله ، ليس أنهم خافوا أن يحملهم أمرا لا يحتمله وسعهم ؛ فيكون قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) ـ إن كان تأويله : أن لن تطيقوه ـ على ذلك ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله : (ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) أي : لا تحملنا أمرا تهلك فيه طاقتنا ، لا أن
__________________
(١) غير واضحة في أ.
(٢) في ب : خلقا.
(٣) في ب : يزدا.
(٤) قاله الحسن أخرجه ابن جرير عنه (٣٥٢٩٢ ، ٣٥٢٩٣) ، وهو قول سعيد بن جبير وسفيان أيضا.
(٥) في ب : إلى.
(٦) في ب : قول.