ثم من الناس من يزعم أن فرض القيام سقط عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعن أمته ؛ واستدل بقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) [الإسراء : ٧٩] ؛ فإن كان الفرض عليه قائما ، لم يكن التهجد به نافلة.
ومنهم من زعم أنه لم يسقط عنه فرض القيام ؛ بل دام عليه إلى أن قبض ـ عليهالسلام ـ.
واحتج بما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كتب عليّ قيام الليل ، ولم يكتب عليكم» ، ومعناه : بقي عليّ مكتوبا ، ورفع عنكم ؛ إذ قد دللنا [أن] القيام في الابتداء كان [واجبا] عليه وعليهم جميعا.
وقد قال بعض الناس : إن صلاة الليل ، لم تكن فرضا على أمته بهذا الحديث ، وما ذكرناه عليهم.
ثم الجواب عن التعلق [أن قوله :] (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) معناه : غنيمة لك ، لا أن يكون القيام منه تطوعا.
ووجه صرفه إلى الغنيمة : هو أن العبادة من رسول الله صلىاللهعليهوسلم تخرج مخرج الشكر لله تعالى ؛ فيصير بها مكتسبا للفضيلة ، وليس يقع ذلك موقع التكفير للسيئات ؛ لأنه تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؛ فلم يكن يحتاج إلى إتيان الحسنات ؛ ليكفر عنه السيئات ؛ فثبت أن الفعل منه يقع موقع اكتساب الفضيلة ؛ فتدوم له بذلك الفضيلة ويستوجب بها جزيل الثواب ، وذلك من أعظم الغنائم.
والذي يدل على أن فعله يخرج مخرج الشكر : ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [أنه قام] حتى تورمت قدماه ؛ فقيل له : يا رسول الله ، ألم يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : «أفلا أكون عبدا شكورا؟» ، وأما غيره فإن الحسنات منهم مكفرة لسيئاتهم ، ومطهرة لزلاتهم ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤] ؛ فهم بحسناتهم لم يصيروا مكتسبين الفضيلة في مستأنف الأوقات ، فيصيروا بها مغتنمين ، بل رفعوا زلاتهم ، وطهروا أنفسهم من المآثم ؛ فلم تصر القربة منهم ، والله أعلم.
فلهذا ما سمى تهجده : نافلة ، لا أن يكون قيامه نفلا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ).
فمنهم من زعم أن هذه السورة كلها مكية ، ومنهم من زعم أن أولها مكية ، وآخرها مدنية ، ويحتج هؤلاء بقوله تعالى : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) ، وبقوله : (يُجاهِدُونَ فِي