وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) :
إن الذي حملهم على الطلب بأن يؤتى كل منهم صحفا منشرة إعراضهم عن الإيمان بالآخرة ؛ وإلا لو آمنوا بها ، لكان إيمانهم بها يحملهم على ترك العناد والتعنت ، وعلى ترك الجسر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويدعوهم إلى الإذعان للحق.
وقوله : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) سنذكر معنى هذه الآية في سورة «عبس وتولى» ، وسنذكر معنى قوله : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) في سورة «إذا الشمس كورت».
وقوله : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) :
فأهل التأويل صرفوا قوله (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) إلى الله تعالى.
وجائز أن يصرف إلى البشر.
فإن كان المراد من قوله ـ عزوجل ـ (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) : البشر ؛ فيكون معنى قوله : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) ، أي : الذي يقوم بالذكر ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) [الفتح : ٢٦] ، فجعل الذين ألزمهم كلمة التقوى من أهل التقوى ، وإن كان المراد من قوله : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) ، أي : الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتأويله أنه أهل أن يتقي الزلة والعثرة في حقوقه تعالى.
والوجه فيه أن المرء في الشاهد إنما يتقي الزلة والعثرة إلى آخر ؛ لإحدى خصال ثلاث :
إحداها : لما يرى من افتقاره وحاجته إليه ؛ فيتقي العثرة إليه ؛ تبجيلا وتعظيما.
أو يتقي زلته ؛ ذلك لما يرى من قدرته وسلطانه على الانتقام منه.
أو يتقي زلته ؛ لكثرة نعمه وأياديه ؛ استحياء منه.
وإذا كانت هذه الأشياء هي الداعية إلى الاتقاء ، فإن الخلائق بأجمعهم مفتقرون ومحتاجون إلى الله تعالى ، وله القدرة والسلطان عليهم ، وهو المنعم المتفضل على كل أحد ، فهو أهل أن يعظم ويوقر ، وأن يخاف نقمته ، ويستحيا منه ، ومن اتقى صار أهلا لأن يغفر [له].
وجائز أن يكون معنى قوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) ، أي : هو أهل لأن (١) يسأل منه ما يتقي [به] من النار بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] ، وبقوله : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] ، ثم علمنا وجه الاتقاء
__________________
(١) في ب : بأن.