لئلا تلحقهم التبعة في العاقبة ، ولا تلزمهم المسبة والمذمة في ذلك [في الدنيا والآخرة](١) ، والله أعلم.
والثاني : أن النظر في ابتداء الخلقة ، وإلى ما يصير عند انقضاء الأمر ، يدعو إلى إيجاب القول بالبعث ، وإلى التصديق بكل ما يأتي به الرسل من الأخبار ؛ وذلك لأن التأمل في ابتداء الخلقة يظهر عجيب قدرة الله تعالى ولطيف حكمته ، ويعلم أن الذي بلغت حكمته هذا المبلغ لا يجوز أن يقع قصده من إنشاء الخلق للإفناء خاصة ؛ لخروجه عن حد الحكمة ؛ فيحملهم ذلك على القول بالبعث.
ولأن النظر في ابتداء الخلقة ، والنظر إلى ما يرجع إليه بعد الوفاة مما يمنع الافتخار والتكبر ؛ لأن إنشاءه كان من نطفة تستقذرها الخلائق ، ومن علقة ومضغة يستخبثها كل أحد ، وبعد الممات يصير جيفة قذرة ، ومن كان هذا شأنه ، لم يحسن التكبر في مثله ؛ فكان في تذكير (٢) أوائل الأحوال وأواخرها (٣) موعظة لهم ؛ ليتعظوا ، ويتبصروا ، وتعريف لهم أن التكبر لا يحسن من أمثالهم ؛ فيحملهم ذلك على التواضع وترك الافتخار والتجبر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) :
الأمشاج : الأخلاط ، ثم الأخلاط تقع بوجهين :
أحدهما : في اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.
والثاني : تقع في الأحوال ، وهو أن النطفة إذا حولت علقة لم تحول بدفعة واحدة ؛ بل هي تغلظ شيئا فشيئا ، حتى إذا تم غلظها صارت علقة ، وكذلك العلقة يدخل فيها التغيير (٤) شيئا فشيئا ، حتى إذا تم التغيير (٥) فيها حالت مضغة ؛ فهذا هو الاختلاط في الأحوال.
فمنهم من قال : الأخلاط : الطبائع الأربع التي عليها جبل الإنسان.
ومنهم من صرف الخلط إلى الألوان ، فذكر أن ماء الرجل أبيض يخالطه حمرة ، وماء المرأة أحمر يخالطه صفرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَبْتَلِيهِ) ، أي : بالخير والشر ، والأمر والنهي ، ثم الابتلاء هو الاستظهار لما خفي من الأمور ؛ والله تعالى لا يخفى عليه أمر فيحتاج إلى استظهاره ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : تذكر.
(٣) في ب : وآخرها.
(٤) في ب : التغير.
(٥) في ب : التغير.