فتخرج قبل وقتها ؛ لما تعاين من كرامات الله تعالى وما ينتشر (١) من الخير ؛ يؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر» (٢).
وقيل : ذلك عند موتة المؤمن إذا حضره الموت صار في ذلك الوقت كالمسجون الذي يتمنى الراحة والخلاص منه ؛ لأنه يرى ما أعد له من الثواب ؛ فتتهوع نفسه تود لو خرجت حتى تصل إلى ما أعد لها من الكرامة ، والكافر إذا رأى عند ما حضر جعل يبتلع نفسه ؛ كراهة أن يخرج ، فتصير الدنيا في ذلك الوقت كالجنة له فيما لا يحب مفارقتها من شدة ما يرى من عذاب الله تعالى.
وعلى هذا قيل في تأويل قوله ـ عليهالسلام ـ : «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (٣) : إن ذلك عند الموت [أن المؤمن إذا حضره الموت](٤) ورأى ثوابه من الجنة ، ود أن تخرج نفسه ؛ فيحب لقاء الله تعالى ، ويحب الله لقاءه ، والكافر يكره في ذلك الوقت أن تخرج نفسه ، فذلك حين كره لقاء الله ، وكره الله لقاءه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) ، قالوا جميعا : المراد منها الملائكة الموكلون بأمور الخلق وأرزاقهم ، ونحو ذلك ، والله أعلم.
ثم اختلف في الذي قصد إليه باليمين والقسم :
فمنهم من ذكر أن الذي وقع عليه (٥) القسم قوله ـ عزوجل ـ : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) على معنى : إنكم مبعوثون ، وأن القيامة حق ، فكأنه أقسم بهذه الأشياء أنهم لمبعوثون ، وأضمر الجواب هاهنا ؛ لما دل عليه المعنى ؛ فاكتفى به.
ومنهم من ذكر أن القصد من اليمين قوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) ، فأقسم بما ذكر أن النفختين كائنتان : فالنفخة الأولى يموت بها الخلق ، والنفخة الثانية ؛ لإحياء الأموات ، والراجفة (٦) هي النفخة ، فجائز أن يكون على حقيقة النفخة ؛ فتكون النفخة علامة الموت والحياة ، لا أن تكون علة (٧) الإماتة والإحياء.
__________________
(١) في ب : يتسير.
(٢) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) كتاب الزهد (١ / ٢٩٥٦).
(٣) تقدم.
(٤) في ب : إن الموت إذا حضر.
(٥) في ب : عليهم.
(٦) في ب : والرجفة.
(٧) في أ : علامة.