وتنزل الملائكة وأنواع الخير كلها ، والمراد من ذلك الأماكن كلها.
وغيره من أهل التفسير (١) صرف الرؤية إلى جبريل ، عليهالسلام.
وذكر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سأل جبريل ـ عليهالسلام ـ أن يراه على صورته ، فقال له جبريل ـ عليهالسلام ـ : «إن الأرض لا تسعني ، ولكن إذا صليت الفجر ، فانظر إلى أفق السماء ؛ فهنالك تراني» (٢) ، ففعل فرآه على صورته ، ثم دنا منه ، فكان قاب قوسين أو أدنى (٣) ، فذكر الأفق ؛ لأن الشيء من البعد لا يتهيأ أن يرى من أقطار الأرض ؛ لذلك خصت الأفق ؛ إذ كذلك تقع رؤية ما بعد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) ، وقرئ بظنين.
قال أبو عبيد : والظنين أولى ؛ [لأن الظنين] هو المتهم ، والضنين : البخيل ، ولم ينسب أحد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى البخل حتى ينفي عنه البخل بهذه الآية ، وقد كانوا يتهمونه على الغيب ، وهو القرآن ، فكانوا يقولون : علمه بشر ، وليس من عند الله ، ويقولون ـ أيضا ـ : إن هذا إلا إفك افتراه ؛ فبرأه الله تعالى مما قالوا بقوله : وما هو على الغيب بظنين ومن قرأه (٤) بالضاد فهو يحتمل أوجها :
أحدها : ما ذكره أبو بكر الأصم ، وهو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن يضن بشيء علمه الله ـ تعالى ـ عن أحد من أصحابه كما يفعله غيره من العلماء ؛ لأن العلماء لا يريدون أن يعلموا من اختلف إليهم كل ما عندهم من العلوم حتى يستغنى عنهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يود أن يعلم جميع ما علم من العلوم أصحابه ؛ فكان يقوم على تعليم كل منهم بقدر طاقته ، ولم يكن يمتنع عن التعليم بخلا منه وضنّا.
وجائز أن يكون برأه الله ـ تعالى ـ من هذا ؛ لما علم أنه يكون في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم من يزعم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خص بعض أصحابه بتعليم أشياء لم يطلع عليها غيرهم ، وتخصيص بعض دون بعض بتعليم ما عنده بخل في الشاهد ؛ فكان في قوله : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) تكذيب أولئك الذين يدعون هذا ، وهذا كما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته» ، فكأنه قال هذا لما علم أنه يكون في أمته من يتقدم
__________________
(١) قاله ابن مسعود أخرجه عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٣٠) ، وهو قول ابن عباس وعكرمة وقتادة والشعبي وغيرهم.
(٢) تقدم في سورة النجم.
(٣) في أ : لأنه.
(٤) في ب : قرأ.