الشهر بالصيام ، فقال هذا ؛ ليعرف خطأ من يتقدم الشهر بالصيام على الخطأ والجهالة ، ليس على إصابة الحق ؛ فعلى ذلك الحكم فيما ذكرنا.
ثم صرفوا تأويل الغيب إلى القرآن (١) ، وهو عندنا في القرآن وفي غيره من الأشياء التي أطلع الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم عليها.
وجائز أن يكون الضن منصرفا إلى الشفاعة التي أكرم الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم بها ، فهو لا يخص بعض أمته دون بعض بالشفاعة ، بل يعمهم جميعا ؛ فيكون في هذا تحريض على الاتباع له ، والانقياد لطاعته.
ويحتمل وجها آخر : وهو أنه ليس بضنين في أداء شكر ما أنعم الله ـ تعالى ـ عليه ؛ حيث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، بل اجتهد في أداء شكره حتى ذكر أنه تورمت قدماه من طول القيام ، فقيل له : ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!. فقال : «أفلا أكون عبدا شكورا؟!» (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن النبي صلىاللهعليهوسلم ليس من شياطين الإنس ، ولا بمجنون كما ذكرتم ؛ بل هو رسول كريم.
أو الذي أتاكم به من القرآن لم يتلق من الشياطين ، ولا هو من قبلهم كما تلقته الكهنة والسحرة من أقوالهم ؛ بل هو ذكر من الله ـ تعالى ـ للعالمين أنزله إليه الروح الأمين القوي الذي لا يصل إليه الشيطان فيغيره ويبدله.
وقوله (٣) ـ عزوجل ـ : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) ، أي : فأين تذهبون عن طاعته واتباعه والانقياد له وقد أتاكم ما يلزمكم طاعته واتباعه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ، أي : عظة للعالمين ، يذكرهم بما يحق عليهم في حالهم ، ويبين لهم ما يؤتى وما يتقى ، وما تصير إليه عواقبهم.
أو أن يكون قوله : (ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ، أي : شرف لهم ، يشرف قدرهم به ، ويصيرون أئمة يقتدى بهم ويختلف إليهم ؛ ليتعلم منهم ، والله أعلم.
__________________
(١) هو قول ابن مسعود أخرجه سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٣١) ، وهو قول قتادة وزر بن حبيش.
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٥٨٤) في كتاب التفسير ، باب : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك حديث (٤٨٣٦) ، ومسلم (٤ / ٢١٧١) في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب : إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة (٧٩ / ٢٨١٩).
(٣) في ب : فقوله.