الطاقة والاستطاعة ، لكنه إن كان [فوجهه : أن](١)(اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] وإن هلكت فيه طاقتكم ؛ لأنهم أمروا بتقوى تهلك به طاقتهم على ما قال : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) [النساء : ٦٦] ، ولو كتب عليهم أن يقتلوا أنفسهم جاز ولكنه تهلك طاقتهم فيه ، فكذلك الأول ، ثم قال : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) تخفيفا عليهم وتيسيرا والله أعلم.
ولكن الكلام في أن كيف قال : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولم نكن نتقي لو لا هذه الآية إلا ما استطعنا ، ولكن معناه ـ والله أعلم ـ : على جهة البشارة : أنكم إذا قصدتم قصد التقوى ، آتاكم الله ـ تعالى ـ الاستطاعة في تقواه ، وهو كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) [الليل : ٥ ـ ٨].
وهذه الآية على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الاستطاعة تتقدم الفعل ، وهي تزول عن الفاعل وتقدم عند الفعل ، ولو كان كذلك كان يجعل قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) استطاعة زالت عنهم ، وكذلك قوله : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) [الأعراف : ١٤٥] ، وكذلك قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) [البقرة : ٦٣] ، زالت عنهم هذا مستحيل ، والذي يؤيد قولنا قول الله جل ثناؤه : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٤] ، والحاجة إلى هذه الاستطاعة تقع عند أداء البدل عن الأصل ، فأما قبل ذلك إن كان مستطيعا أو غير مستطيع فهو سواء.
قوله تعالى : (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا).
أي : اسمعوا إلى ما أمركم الله تعالى به ورسوله.
أو يكون قوله : (وَاسْمَعُوا) بمعنى : أجيبوا لما أمركم الله به ، وإلى ما دعاكم الله ورسوله ؛ كقوله : «سمع الله لمن حمده» ، أي أجابه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ).
أي : وأنفقوا مما رزقناكم (٢) خيرا لكم من أن تدعوا الإجابة لما أمركم والإنفاق مما رزقكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ).
قال سفيان بن عيينة : أي : ومن يوق ظلم نفسه ، والشح : الظلم
__________________
(١) في أ : فوجه.
(٢) في ب : رزقتم.