[وقال بعضهم : الشح : البخل ، الذي فيه الحرص.
قال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)](١) أضاف الوقاية إلى نفسه ؛ ليعلم أن من اتقاه فإنما اتقاه بما وقاه الله تعالى بلطفه وكرمه ، ألا ترى إلى قوله : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] كيف علمهم ذلك التقوى بقوله : (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) [البقرة : ٢٠١] [أن قولوا : وقنا عذاب النار ؛ ليعلم أن](٢) جميع أفعال العباد إنما تقوم وتصح بتدبير الله ـ تعالى ـ وتوفيقه وتسديده وتقديره ، والله أعلم.
ثم قوله : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فيه أوجه من الدلالة :
أحدها : أن قوله : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) لم يبين فاعله ، ففيه بيان أن في سلطان الله وملكه ما يقي به شح عبده ، وأنه إذا وقاه شح نفسه أفلح ، وكذلك في قوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) [آل عمران : ١٦٠] إخبار أن من ينصره الله فلا يغلب ، وقد يرى في الشاهد من لا يوق شح نفسه البتة ، ومن قد يوق شح نفسه ولا يفلح ، وقد نرى من يجاهد أعداءه فيغلب ، مع ما وعده وأخبر أنه هو الغالب وأنه لا يغلب ، فلا بد في ذلك من أحد وجهين :
إما أن لم يكن لله تعالى النصرة في ملكه وسلطانه كما ادعى ، فهو كاذب فيما ادعى ، وإما أن آتاه من القوة ما يقي به شح نفسه فلم يفلح ؛ فصار كاذبا في خبره.
[فأما المعتزلة فإنهم زعموا](٣) أن الله تعالى قد آتى عبده جميع ما يقي به شح نفسه حتى لم يبق في خزانته شيء يؤتيه ليقي به شح نفسه ـ كذبة ، وإذا لم يكن بد من نسبة الكذب إلى الله تعالى أو إلى المعتزلة ، كانت المعتزلة أولى أن ينسبوا إلى الكذب من رب العالمين فيما أخبروا هم ، وأن الله تعالى [فيما أخبر صادق](٤) وأن في ملكه وسلطانه ما لم يؤت عبده ليقي به شح نفسه ، والله المستعان.
وفيه دلالة على إبطال قول من قال : إن على الكفرة أداء هذه العبادات ، والحقوق واجبة ، وذلك أن الله تعالى وعد في هذه الآية أن من وقي شح نفسه ، وأدى ما وجب عليه من هذه الحقوق فقد أفلح ، وقد ترى الكافر في الشاهد [يوقى شح نفسه](٥) ويؤدى
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : فإن.
(٣) في أ : وأما إن كانت المعتزلة ـ فيما زعمتم.
(٤) في ب : صادق فيما أخبر.
(٥) في ب : حيث وقي شح نفسه.