[حقوق أمواله](١) ويسخو بماله على الناس ، ولا يفلح ولو كان عليه هذه الحقوق واجبة ، لكان يحصل له الفلاح ، ثبت أنه ليس عليه أداءها وإنما عليه قبولها ، والله أعلم.
وفيه أن صاحب الكبيرة قد يرجى له الفلاح وإن لم يتب عن الكبيرة حتى مات ؛ لأنا قد نرى صاحب الكبيرة قد يوقى شح نفسه ، وقد وعد الله ـ عزوجل ـ أن من وقي شح نفسه ، فهو من المفلحين ، فإذا كان صاحب الكبيرة قد يوقى شح نفسه ؛ فقد ثبت أنه يرجى له الفلاح ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ، تولد من هذه الآيات ظنون فاسدة :
أحدها : ظن اليهود ، حيث قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ؛ وذلك أنهم لما سمعوا أن الله تعالى يقول : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) والاستقراض في الشاهد يدل على الحاجة إلى ما يستقرض ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١] ، والشراء يدل على حاجة في المشتري ، وحيث استعمل عبيده في الأعمال ، ثم قال : (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران : ١٧٩] ، ورأوا أن من يستعمل آخر فإنما يستعمله في عمل ترجع منفعته عليه ويحتاج إلى عمله ، ظنوا بذلك أن الله فقير وأنه محتاج.
وظنت المعتزلة أن أنفس العبيد وأملاكهم ملك لهم حقيقة ليس لله ـ تعالى ـ في شيء من ذلك ملك ولا تدبير ، قالوا : وذلك أن الله تعالى استقرض من عبيده ، والمرء في الشاهد لا يستقرض ملك نفسه ، فلما استقرض واستباع دل أن هذه الأشياء (٢) كانت ملكا لهم حقيقة.
والذي يدل على أن قول المعتزلة على ما وصفنا : أن من قولهم : إن ليس لله تعالى أن يمرض أحدا ولا يؤلم ذاته إلا بعوض ، ومن لم يملك فعل شيء إلا بعوض أو بدل تبين أنه لا يملكه (٣) ؛ فثبت على أن عندهم أنه لا يملك حقيقة ، وأن حقيقة الملك فيه للعبيد.
ويشبه أن يكون ظن [اليهود والمعتزلة](٤) جميعا إنما تولد من قولهم : إن ليس لله تعالى أن يفعل بعبيده إلا ما هو أصلح لهم في دينهم ، فذهبت اليهود إلى أن هذا لما كان حقّا على الله أن يفعله لا محالة حتى إذا لم يفعله يكون جائرا ، ومن كان مأخوذا بحق أو
__________________
(١) في ب : زكاة ماله.
(٢) في أ : زكاة ماله.
(٣) في ب : يملك.
(٤) في ب : المعتزلة واليهود.