بشيء يفعله ، ففيه بيان أن حقيقة ذلك الفعل لغيره حتى أخذ به لا محالة ؛ لذلك قلنا : إن ظنونهم تولدت عن القول بالأصلح ، والله المستعان.
وأما الحكماء وأهل العقل ومن انتفع بعقله ، حمل هذه الآيات من الله تعالى على نهاية الكرم وغاية الغناء ؛ لأن الله تعالى أعطى عبده ، ثم استقرض منه ذلك الذي أعطاه ؛ ليصير ذلك العطاء دائما ببدله الدائم ، وهو النعيم في الآخرة ، ومعلوم أن من أراد دوام عطاء من أعطاه فهو في غاية الكرم ، وكذلك (١) اشترى منه حياة فانية ؛ [ليعطي له](٢) حياة دائمة ، وهذا من غاية الجود ، ومن استعمل عبده في عمل يوصف بأنه جواد سخي ويشرف به ، ويكرم ثم وعد له على ما فيه شرفه أجرا دائما ، دل على غناه ، فثبت أنه أراد بهذه الآيات أن يعلمنا غاية كرمه وغاية جوده ونهاية غناه ، وأن جوده وكرمه مما لا تدركه عقولنا ، والله المستعان.
والذي يدل على غاية كرمه وغاية جوده : أن جعل ما نتصدق به على فقرائنا وما نصل به أرحامنا قرضا حسنا على نفسه ، ووعد الأجر بعمل يعمله العبد لنفسه ، وعلى عمل [على](٣) العبد فعله لا محالة (٤) ، ولا شك أن ذلك من غاية [الجود والكرم](٥) والله المستعان.
ثم قوله : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً).
قال بعضهم : القرض : هو القطع ، كأنه قال : اقطعوا شيئا من أموالكم لله تعالى قطعا حسنا.
وقال بعضهم : اقرضوا ، أي : اجعلوا ما تتصدقون به مما فضل عن حاجاتكم على فقرائكم قرضا حسنا على الله تعالى يؤتكم أجره عند حاجتكم إليه.
وقوله : (يُضاعِفْهُ لَكُمْ).
يعني : يضاعف ما يعطيكم في الآخرة من الثواب الذي تكرمون به ، بما شرفتم به ، وتزينتم في الدنيا بالتصدق.
وقوله : (وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ).
يعني : شكور ؛ حيث شكر لكم على ما أعطيتموه شيئا هو أعطاكم إياه.
__________________
(١) في ب : ولذا.
(٢) في ب : ليعطيه.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : لا محالة أجرا.
(٥) في ب : الكرم والجود.