وقال أبو بكر الأصم : (أَلا يَظُنُ) ، معناه : ألا يشك أولئك في البعث ، وهو محتمل لما ذكرنا ؛ لأن الشك يوجب الرهبة ، وارتفاعه يوجب الأمن ؛ ألا ترى أن المرء إذا أراد أن يسافر إلى مكان ، فأخبره إنسان أن في الطريق الذي يريد أن يسلك سراقا وقطاع الطريق ، فإنه يترهب لذلك ؛ فيستعد له بما (١) يدفع عن نفسه ضرر قطاع الطريق وضرر السراق ، وإن لم يتيقن أن المخبر صادق في مقالته ، ولا يتيقن أن السراق يتمكنون من الإضرار به ، فكيف لا يشك هؤلاء بكون البعث بما يخبرهم النبي ـ عليهالسلام ـ ويقيم عليه الحجج ، وهذا أقل منازل الأخبار أن تورث شكا.
ثم الأصل أن حرف الشك يستعمل عند استواء طرفي الداعيين ، والظن يستعمل عند اختلاف طرفي الداعيين ، وهو أن تغلب (٢) إحدى الدلالتين على الأخرى ؛ لذلك يستقيم الحكم والقول بأكثر الظن ، ولا يستقيم بأكثر الشك.
ثم الظن يتولد من البحث عن الأمر والنظر فيه ، وإذا تدبر فيه ، فهو لا يزال يرتقي في الظن درجة فدرجة ؛ حتى ينتهي نهايته بلوغ اليقين (٣) ودرك الصواب ؛ فلذلك حمل أهل التفسير تأويل الظن هاهنا على اليقين والعلم ؛ إذ (٤) ذلك نهاية الظن.
وحمله أبو بكر على الشك ؛ لما لا ترتفع الشبهة كلها فيما كان طريق معرفته (٥) الاجتهاد.
ومثال الظن منا الخوف الذي ذكرنا أنه قد يستعمل في موضع العلم ؛ لأن الخوف إذا بلغ غايته صار علما ؛ كالذي يهدد بالقتل ، أو بقطع عضو ؛ ليشرب الخمر [أنه يباح](٦) له الشرب ، ويجعل كالمتيقن أنه يفعل به لا محالة لو امتنع عن الشرب ؛ لبلوغ الخوف نهايته وإن لم يكن في الحقيقة متيقنا ؛ لما يجوز أن يحصل به ما يمنعه عن القتل ؛ فعلى ذلك الحكم في الظن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) للحساب الذي يحصل عليهم ؛ فلا يجدون منه مخرجا ؛ فيتخلصون من العذاب ، ليس على ما يحصل عليه الحساب في الدنيا يجد لنفسه الخلاص ووجه المخرج عنه.
__________________
(١) في ب : ما.
(٢) زاد في ب : إحدى.
(٣) في ب : النفس.
(٤) في ب : إن.
(٥) في ب : معرفة.
(٦) في ب : أيباح.