ومنهم من يقول : الشاهد والمشهود هو الإنسان نفسه ؛ أي : جعل عليه من نفسه شهودا بقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤].
ومنهم من يقول : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ؛ فسمي يوم الجمعة شاهدا ؛ لأنه هو الذي يشهدهم ويأتيهم ، وسمي يوم عرفة : مشهودا ؛ لأن عرفة اسم مكان ، والناس يأتونها ويشهدونها ، ولا يأتيهم ؛ فعظم شأن عرفة لما يعظمها أهل الأديان (١) كلها ، وعظم يوم الجمعة ؛ لأنه يوم عيد المسلمين ، ولكل أهل دين يوم يعظمونه ، فأكرم الله ـ تعالى ـ المؤمنين بهذا اليوم ؛ ليعظموه مكان اليوم الذي يعظمه غيرهم من أهل الأديان ، فأقسم بهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) اختلف في تأويله :
فمنهم من صرفه إلى المعذّبين.
ومنهم من صرفه إلى المعذّبين.
فمن صرف إلى المعذّبين حمل قوله : (قُتِلَ) على اللعن ؛ أي : لعنوا ؛ كقوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠] ، أي : لعنوا.
ومن صرفه [إلى](٢) الذين عذبوا ، حمله على القتل المعروف.
ثم اختلف في قصة أولئك الذين عذبوا ؛ فإن كان القسم في الكفرة ، فما ينبغي أن يفسر على وجه من ذلك ما لم يتواتر فيه الخبر عن المصطفى عليه الصلاة والسلام ، بل حقه أن يقتصر على ما جاء به الكتاب ؛ لأن هذه الأنباء حجة لرسالة نبيه ـ عليهالسلام ـ لأنهم وجدوها موافقة للأنباء المذكورة في كتبهم ، وقد علموا أنه لم يصل إلى تعرفها إلا بالله تعالى ؛ إذ لم يروه يختلف إلى من عنده علم الأنباء ؛ ليصل إلى معرفتها بهم ، فإذا فسرت على وجه أمكن أن يقع فيها زيادة أو نقصان على ما ذكر في الكتاب ؛ فيجدوا به موضع الطعن والقدح ؛ لذلك لم يسع أن يزاد على القدر الذي جرى ذكره في الكتاب إلا من الوجه الذي ذكرنا.
وإن كان القسم في المؤمنين ، وسع القول بحمل التأويلات التي ذكرها أصحاب التفسير ؛ لارتفاع المعنى الذي ذكرنا في الكفرة ، والله أعلم.
[ثم في ذكر هذه الأنباء](٣) تقرير رسالته ونبوته ـ عليهالسلام ـ عند الكفرة ؛ لما ذكرنا
__________________
(١) في ب : الأوثان.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : ثم ذكر هذه النبأ.