أنه لم يختلف (١) ، إلى من عنده علم هذه الأنباء ؛ ليعلم بها ، فإذا أنبأهم [بها] على وجهها (٢) ، تيقنوا أنه بالله تعالى علم.
وفيه تصبير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتخفيف الأمر عليه ؛ لأنه يخبره أن قومك ليسوا بأول من آذوك وعاندوك ، بل لم يزل سلفهم تلك عادتهم بأهل الإسلام.
وفائدة أخرى : ما ذكرنا أن في ذكره بعض ما يستعين به من ابتلي (٣) بأذى الكفرة.
وفيه أن أولئك الكفرة بلغ من ضنهم بدينهم ما يقاتلون عليه من أظهر مخالفتهم في الدين ؛ ليعلموا أن القتال لمكان الدين ليس بأمر شاق خارج من الطباع ؛ بل الطباع جبلت على القتال مع من عاداهم في الدين ؛ فيكون فيه ترغيب للمسلمين على القتال مع الكفرة إذا امتحنوا به ، والله أعلم.
وقوله : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) منهم من جعل الوقود من ألقي فيها من المؤمنين.
ومنهم من جعل الوقود صفة تلك النار التي عذبوا بها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) ، أي : عظماؤهم وكبراؤهم جلوس عند الأخدود ؛ ففيه أن أتباعهم هم الذين كانوا يتولون إلقاء المؤمنين في النار ، وكبراؤهم جلوس هنالك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) ، يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الشهود هم العظماء والفراعنة.
أو يكون منصرفا إلى الأتباع ، وهو أن الأتباع كانوا يلقون المؤمنين في النار ، ويشهدون أنهم على الضلال ، وأنهم ورؤساؤهم على الهدى والحق ، وهو كما قال في موضع آخر : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) [النساء : ٥١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) : ذكر (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ليعلم أنه لا يلحقه ذل بما يحل من الذل بأوليائه وأهل طاعته ، ولا في حمده قصور بقهر أوليائه ، خلافا لما عليه ملوك الدنيا ، وذلك أن ملوك الدنيا إذا حل بأولياء واحد منهم ذل ، كان الذل حالا فيه أيضا ، وإذا قهر بعض أتباعه فترك نصرهم وهو قادر على نصرهم واستنقاذهم لم يحمد ذلك منه ، ولحقته المذمة ؛ وذلك لأن الملك إنما استفاد العز بأتباعه وأنصاره ، فإذا استذل أتباعه ، زال ما به نال العز ؛ فلحقه الذل ، ونال
__________________
(١) في ب : يخلف.
(٢) في ب : وجهه.
(٣) زاد في ب : بأذى.