و [كذلك](١) ذكر أبو بكر الأصم أن (الصُّلْبِ) كناية عن الرجل ، (وَالتَّرائِبِ) كناية عن المرأة ؛ فيكون هذا اسما لهما مأخوذا عن أصل ما يكون منهما ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ..). الآية [النساء : ٢٣] ، فأضاف الأبناء إلى الأصلاب.
وفي إخراج الماء من بين الصلب والترائب لطف من الله تعالى ؛ لأنه لو اجتهد الخلائق باستخراجه من بين ما ذكر بحيلهم وقواهم ووضعه في الرحم ، لم يقدروا عليه ، ثم الله بلطفه وضع هذه الشهوة فيما بين الخلق ، واستخرج بها الماء من بين الصلب والترائب ، لا أن يكون أحد يملك إخراجها بالأسباب والحيل ، كما وضع فيهم شهوة الأكل والشراب (٢) ، [فمتى ما أكلوا وشربوا ، وقرّا قرارهما ، ظهر من قوة الطعام والشراب](٣) في (٤) كل جارحة من جوارح الأكل باللطف ، لا أن يكون ذلك العمل بالأكل والشرب خاصة ، وكذلك يرى الإنسان إذا سقى أصل شجرة ظهرت منفعة السقي في أغصانها وأوراقها وأثمارها ، ولو أراد أحد أن يعرف أنه لأي معنى صلح أن يكون الماء بالمحل الذي ذكرنا؟ وأراد أن يستخرج المعنى المجعول في الطعام من القوة التي ذكرنا ـ لم يتدارك (٥) ذلك ؛ فيكون فيما ذكرنا أبلغ حجة على الثنوية ؛ لأنهم ينكرون خلق الأشياء لا عن أشياء ، وزعموا أنا لم نشاهد كون الشيء لا من شيء ، والشاهد دليل الغائب ؛ فلزم ذلك في الذي غاب عنا ، فمن قدر على تصوير الولد في تلك الظلمات ، وفي الأماكن الضيقة وقدر أن يجعل في الماء والطعام المعاني التي يعجز الخلق عن استدراكها ـ لقادر على إنشاء الخلق لا من شيء ؛ إذ الأعجوبة فيما ذكرنا ليست بدون الأعجوبة عن إنشاء شيء لا من شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) قال بعضهم (٦) : إنه على رده إلى صلب أبيه لقادر.
وقال بعضهم (٧) : إنه على بعثه لقادر ؛ هذا أشبه التأويلين ؛ لأن الآية في موضع
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : الشرب.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : من.
(٥) في أ : تدارك.
(٦) قاله عكرمة أخرجه ابن جرير (٣٦٩٢٨ ، ٣٦٩٢٩) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٦١) وهو قول ابن أبزى أيضا.
(٧) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٦٩٣٧) وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٦١).