ثم الذي وقع به القسم قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) ، أي : الإنسان لنعم ربه لكفور ، لا يشكرها ، وهو أن الإنسان يذكر مصائبه وما يصيبه من الشدة في عمره أبدا ، وينسى جميع ما أنعم الله عليه ، وإن لا يفارقه طرفة عين ؛ ولذلك (١) قال الحسن : الكنود : هو الذي يعد المصائب وينسى النعم (٢).
وقيل (٣) : الكنود : القتور البخيل الشحيح في الإنفاق ، ويجب أن يكون وصف كل إنسان ما ذكر ، لكن المؤمن يتكلف شكر نعم الله ـ تعالى ـ ويجتهد في ذلك ، ويصبر على المصائب ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] ، وخلق (عَجُولاً) [الإسراء : ١١] ، هو كل إنسان ، ثم استثنى المصلين منهم (٤) ، وهم المؤمنون ؛ أي : كذلك خلق وطبع كل إنسان ، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه من ذلك الطبع الذي أنشئ عليه ، وطبع إلى غيرها من الطبائع ؛ كالبهائم والسباع التي طبعها النفور من الناس بالاستيحاش عنهم ، ثم تصير بالرياضة ما تستقر عندهم وتجيبهم عند دعوتهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) ، قال بعضهم : إن ذلك الإنسان على ما فعله في الدنيا لشهيد في الآخرة على [ما جمعه](٥) ؛ أي : يشهد ذلك ويعلمه ؛ كقوله : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة : ١٤].
وقال بعضهم : (وَإِنَّهُ) ، أي : ذلك الإنسان لبخله وامتناعه عن الإنفاق (لَشَهِيدٌ) ، أي : يتولى حفظ ماله وإحصاءه بنفسه ، لا يثق بغيره.
وقال بعضهم : (وَإِنَّهُ) يعني : الله تعالى (عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي : عالم ، يحصيه ؛ ويحفظه ، كقوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ..). [الكهف : ٤٩].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) ، أي : ذلك الإنسان لشديد الحب للمال ، فذكر بخله ، وشحه في المال ، في ترك الإنفاق والبذل ، وعلى ذلك طبع كل إنسان ؛ على ما ذكرنا ، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه مما طبع بالرياضة ، ويجتهد في الإنفاق ، والحب هاهنا : حب إيثار ، أي : يؤثر لنفسه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) ، يقول ـ والله أعلم ـ : فهلا
__________________
(١) في ب : وكذلك.
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٧٨٤٣) ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٥٤).
(٣) قاله الحسن وقتادة أخرجه البيهقي في الشعب عنهما كما في الدر المنثور (٦ / ٦٥٤).
(٤) في ب : فيهم.
(٥) في ب : جميعه.