مسعود رضي الله عنه : أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم ويجوز أن تكون قراءة عمر ـ رضي الله عنه ـ أيضا (١) ؛ ألا ترى [أنه قال](٢) : (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة ؛ لا ندري أصدقت أم كذبت) ، فالكتاب هذا ، والسنة يجوز أن يكون سمعها من رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك.
أو يجوز أن يكون عند عمر ـ رضي الله عنه ـ في هذا تلاوة قد رفع (٣) عينها وبقي حكمها ؛ لذلك قال : (لا ندع كتاب ربنا) ألا ترى إلى ما قاله عمر ـ رضي الله عنه ـ في أمر الزنى : «سيأتي على الناس زمان يقولون : لا نجد الرجم في كتاب الله ، وإنا كنا نتلو من قبل في سورة الأحزاب : الشيخ (٤) والشيخة إذا زنيا ، فارجموهما البتة ؛ نكالا من الله ، والله العزيز حكيم» فقد رفعت التلاوة ، وبقي حكمها ؛ فكذلك في أمر النفقة يجوز أن تكون التلاوة مرفوعة وحكمها باق ، والله أعلم ، وقوله : (لا ندع كتاب ربنا) في الخبر دلالة أن الكتاب قد ينسخ بالسنة ؛ لأن عمر ـ رضي الله عنه ـ إنما احتج في امتناعه عن ترك [كتاب الله](٥) بقول امرأة لم ندر أصدقت أم كذبت؟ ولو لا أن الكتاب قد ينسخ بالسنة ، وإلا لم يكن احتجاجه بقوله : (لا ندع كتاب ربنا بقول امرأة) معنى ، بل كان يقول : (لا ندع كتاب ربنا بالسنة) ، فلما قال : (لا ندع كتاب ربنا بقول امرأة ؛ لا ندري أصدقت أم كذبت)؟ دل أن السنة قد تنسخ الكتاب ، والله أعلم.
وروى أبو بكر الأصم أن فاطمة بنت قيس لما أنكر عليها عمر ـ رضي الله عنه ـ حديثها تركت روايتها إلى زمن مروان ، فلما استخلف مروان جعلت تروي حديثها ، فأخبر بذلك مروان ، فدعاها فروت هذا الحديث ، فقال لها مروان على ما كان يقول لها عمر ـ رضي الله عنه ـ فقالت له : أين كتاب ربنا؟ فتلا عليها قوله : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) ، فقالت : كيف يحتمل أن يكون هذا في المطلقة ثلاثا ، والله يقول في هذه (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)؟ ومعنى الإمساك في المطلقة ثلاثا معدوم ؛ فأفحم مروان ، ولو فهم مروان ما فهمه عمر (٦) لم يفحم ؛ وذلك أن هذه العدة المذكورة في هذه الآيات إنما هي مكان قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، ولا فرق هناك بين المطلقة الواحدة والثلاث ، وإذا كان المذكور في هذه
__________________
(١) في ب : هذه أيضا.
(٢) في ب : إلى قوله.
(٣) في أ : وقع.
(٤) في ب : أن الشيخ.
(٥) في ب : كتابه.
(٦) في أ ، ب : غيره.