العدة مكان تلك ، فالمذكور في النفقة في هذه كالمذكور في تلك ، وليس في تلك الآية ذكر الفرق بين الثلاث والواحدة ؛ فلذلك قلنا : في كتاب الله تعالى دلالة إيجاب النفقة للمبتوتة والمطلقة ثلاثا ، والله أعلم ؛ فيكون حجة على الشافعي ؛ ومما يدل عليه هو أنه لما استدل بذكر الإنفاق في قوله : (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) على وجوب (١) الإسكان (٢) والنهي عن الإخراج مع توهم الإنفاق دون الإسكان ، فلأن يستدل بذكر الإسكان على الإنفاق ولا يكون (٣) الإسكان ، إلا بالإنفاق ؛ لاتصاله به ـ أحرى ، فصار قوله : (أَسْكِنُوهُنَ) دليلا على وجوب الإنفاق ، وإنما قلنا : إن الإنفاق متصل بالإسكان ؛ لأنه إذا نهي عن إخراجها عن بيته وأمر بإسكانها فلا يحتمل أن يؤمر بالإنفاق ؛ لأن في ذلك تضييقا عليها وتعسرا ؛ ألا ترى : أنها إنما تكتسب النفقة بالخروج ، فإذا نهى الزوج عن إخراجها ، ونهيت هي عن الخروج ، لم تصل إلى نفقتها إلا بالزوج ضرورة ، والله أعلم.
ولأجل أنا نظرنا : أن النفقة في الحامل للحمل أو العدة ، فوجدنا أنها لو كانت واجبة للحمل ، لم تجب إذا كان حملها بحيث لو وضعته ، لم يلزم نفقته (٤) عليه ، وقد وجدنا هذا الحكم ، نحو : حر يتزوج أمة رجل بإذن سيدها (٥) فولدت ولدا : أن نفقة الولد على السيد ، وكان يجب عليه ما دام في بطن أمه ، فلما (٦) استقام وجوب النفقة على الزوج ما دامت حاملا ، وإن كان الحبل بحيث لو وضعته لم يلزمه نفقته ـ ثبت أن النفقة في الحامل ؛ لمكان العدة لا للحبل ، [والعدة](٧) في الحائل والحامل واحدة ؛ فكذلك كان حكمهما واحدا ، والله أعلم.
ثم الأصل عندنا ما وصفنا : أن النفقة إنما وجبت ؛ لاستمتاعه المتقدم ، [فما دامت](٨) محبوسة ؛ لاستمتاعه السابق أوجبت النفقة عليه ، وإذا كانت محبوسة لا بهذا الحق لم يكن عليه النفقة ، والله أعلم.
ولأن في قوله : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) ، إضمار النفقة ، كأنه يقول : أسكنوهن من حيث سكنتم ، وأنفقوا عليهن من وجدكم ؛ لأنه لو لا هذا الإضمار ، لم يكن
__________________
(١) في أ : وجوه.
(٢) في ب : للإسكان.
(٣) في ب : يكاد.
(٤) في ب : النفقة.
(٥) في ب : سيدا لها.
(٦) في أ : فلو.
(٧) سقط في ب.
(٨) في ب : فإذا كانت.