لقوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) على الظاهر معنى ؛ لأنه لما قال : (أَسْكِنُوهُنَ) ، علم أنه جعل الإسكان عليهم ، ومن كان عليه الإسكان ، فإنما يكون من وجده ، فلم يكن في قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) إلا إعلام ما قد علمناه ، وإذا كان كذلك ثبت أن في قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) إضمارا يستقيم عليه المعنى في قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) ، وليس بين القراءتين اختلاف ، ولكن إحداهما خرجت على الإجمال ، والثانية على التفسير [على ما قرئ في قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] و : (أيمانهما) ، ولم يحمل ذلك على الاختلاف ، بل حملت إحداهما على الإجمال والثانية على التفسير](١) فكذلك الأول (٢) ، والله أعلم.
مع أنه لم يثبت اللفظ في قراءة ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فأقله أن يكون من خبر الآحاد ، ومعلوم أن خبر ابن مسعود وإن كان من خبر الآحاد فما يسنده إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقبول ، ولما وجب قبول خبر أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مع ما قيل فيه من الضعف ، فلأن يقبل خبر ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مع فضله وورعه وكثرة صحبته [مع النبي](٣) صلىاللهعليهوسلم ، وتبحره في الفقه أولى ، ومن هجر قراءة ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ خيف عليه الزلة ، ألا ترى [إلى ما](٤) روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سأل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : ما تعدون آخر القراءة؟ قالوا : قراءة زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ فقال : كلا ، كان يعرض القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم كل عام مرة ، وعرض عليه في العام الذي قبض فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرتين ، وقد شهدهما جميعا ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فإذا كان ابن مسعود قراءته آخر القراءات ، وهو الذي شهد قراءة القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم آخر مرة لم ينبغ أن نعرض عن قراءته ، ونهجره ، والله أعلم.
وفي قوله : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) دلالة أنه إنما يسكنها في جزء من أجزاء مسكنه ، لا في الموضع الذي يسكنه هو ؛ لأن حرف (من) للتجزئة والتبعيض.
وقوله : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ).
يحتمل وجهين [من التأويل](٥) :
أحدهما : أي : لا تضاروهن في الإنفاق عليهن فتضيقوا عليهن النفقة ، فيخرجن ، أو لا
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٢) في ب : للأول.
(٣) في ب : للنبي.
(٤) في ب : إلى قوله فيما.
(٥) سقط في أ.