والأصل عندنا في ذلك : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ بلطفه يمنع الخلق عن تسمية أحد : إلها ، إلا من جهة أحوال تعترض ؛ فسموا به على معنى جعل الاسم الذي جرت التسمية به حقيقة له ؛ فسموا ؛ ظنا منهم أن بذلك التوسل والتقرب ، لا أن يروا لشيء من ذلك حقيقة ذلك ، بل قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وقالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، وقالوا : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ؛ ليعلم أنهم عرفوا لله ـ تعالى ـ بما دعوا لأنفسهم في ذلك معاني تردهم إلى الله سبحانه وتعالى ، فذكروا مجازا من (١) أحد لسانين ، والله أعلم.
أما لسان الرسل في ذكر الله ففي أمور تقربهم إلى الله تعالى ، لقوله : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) [النساء : ٥٩] ، وقال : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] ، وصف مبايعة العبد ونصره أو نصر دينه نصرا لله ومبايعته ، بما يقرب ذلك إليه ؛ فعلى ذلك تسميتهم ما عبدوها ، لا أنهم رأوها آلهة في الحقيقة.
أو عن ألسن الفلاسفة أن ليس لله اسم ذاتي ؛ وإنما سمي هو بذكر كل ذي شرف ومنزلة عنده ؛ فعلى ذلك إذ محل من يعبدون عندهم ما ذكرنا من القول عنهم ؛ فسموا به ، لا أن حققوا كما ذكروا حقيقة ذلك الاسم إلى من عرفوه أنه إله ، ردوا أمرهم في ذلك ، وذلك من لطف الله ـ تعالى ـ فيما سخرهم عليه ؛ كتسمية الخالق والرحمن : أنهم لا يسمون أحدا بهما ، وإن كثرت أفعاله ، وعظمت رحمته في الخلق ؛ ليعلم أنها أسماء الله ـ تعالى ـ منع الخلق عن التسمي بها باللطف من حيث لا يعرف سببه.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أي : الأمر هو الله أحد ؛ كما تقول : إنه زيد قائم ، أي : الأمر زيد قائم ، جواب من يسألك : ما الأمر والشأن (٢) في أن قمت هاهنا؟ فتقول : الأمر زيد قائم ، أي : قمت لأجله ، إلى هذا يذهب الزجاج ؛ كأنه يذهب إلى أنه لما قال : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، فقيل له : ما الأمر والشأن (٣)؟ فقال : الأمر الله أحد ؛ أي : ليعرفوا أنه كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَحَدٌ) يتوجه إلى واحد ، ثم «واحد» اسم ينفي المثل في الإضافة ، كما يقال : هو واحد الزمان ، وواحد الخلق ؛ على نفي التشبيه له عما أضيف
__________________
(١) في ب : في.
(٢) في ب : البيان.
(٣) في ب : البيان.