ذلك زوجا ؛ فتكون الوحدانية الحق له ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اللهُ الصَّمَدُ).
فذكر أنه أحد ، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية ، وهو ـ والله أعلم ـ أن أحوج جميع من سواه ؛ حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة وفي الصلاح بعد الكون ، وفي الذي به الدوام بعد الوجود ، والوجود بعد العدم ما احتمل الوجود دونه ، ولا البقاء إلا به ، أحاطت الحاجات بكلّ ؛ ليكون له الغناء عن الكل في الوجود والبقاء ؛ ليتحقق أنه الموجود بذاته والباقي بذاته ، والمتعالي عن معنى وجود غيره سبحانه ، وهو على ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار هويته في جميع الأنام.
ثم قيل في (الصَّمَدُ) بوجوه يرجع جميع ذلك إلى ما بينا.
أحدها (١) : السيد الذي قد انتهى سؤدده ، ومعنى ذلك في المفهوم من السؤدد في صرف الحوائج (٢) إليه ، ورجاء كل المحاوج (٣) به.
والثاني (٤) : في أن لا جوف له ، وذلك في وصف الوحدانية والتعالي عن معنى أحدية غيره من اجتماع أجزاء ممكن فيها الفرج والثقب التي هي كالأجواف.
أو على ما فسر قوم بالذي هو في ظاهر العبارة مخرج (٥) الكتاب ، وهو الذي ذكر على أثره ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (لَمْ يَلِدْ) ؛ لأن كل ذي الكون ذو جوف عنه يتولد الأولاد ، ويكون في ذلك إحالة قول من نسب إليه الولد ؛ فيقول : كيف يكون له ولد ، وقد تعلمون أنه ليس بذي جوف؟ كما قال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) [الأنعام : ١٠١] في قوم نزهوه عن الصاحبة ، وهم لم يشهدوا الولادة إلا بها ، كما لم يشهدوا الولادة إلا عن ذي جوف ؛ فيكون في هذا نقض قول هذا الفريق فيه بالولادة بما نزهوه عن الجوف ، كما في الأول بما برءوه عن الصاحبة.
وقيل : بما لذي الأجواف من الحاجات ؛ فيرجع إلى التأويل الأول : أنه المصمود إليه
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٨٣٢٩) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي في الأسماء والصفات من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٧١٣) وهو قول أبي وائل أيضا ، وفي ب : أحد.
(٢) في ب : الجوارح.
(٣) في ب : المخارج.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٣٠٤) وهو قول مجاهد ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، والضحاك ، وغيرهم.
(٥) في ب : بمخرج.