وليس بنا إلى أن نعرف ما بينها وكيفيتها وعددها حاجة ؛ لأنه ليس في تعرفها حكم يتعلق به ، والله أعلم.
وقوله : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ).
له تأويلان :
أحدهما : ينزل الوحي بينهن ، وما ينزل الله تعالى من الكتب والرسل بينهن ، ومعناه : أن الله تعالى ذكر أمة محمد صلىاللهعليهوسلم أنهم لم يخصوا بمحنة الرسل والكتب والوحي ، بل كل من في السموات والأرض ممتحن بذلك.
والثاني : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) يعني التكوين ، ووجه ذلك : أنه لا يخلو مكان في السموات والأرض في كل وقت من مكون يكونه الله تعالى ، أو محدث يحدثه ، وذلك قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ؛ فيجوز أن يكون المراد بالأمر في قوله : (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) : أمر التكوين ، ومعناه : ما وصفنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
أي : لكي تعلموا إذا تفكرتم في خلق السموات (١) والأرض ، وما جرى من التدبير فيهما (٢) أن من بلغت قدرته هذا المبلغ كانت قدرته ذاتية ، لا يعجزه شيء عما أراده.
أو يدل هذا التدبير أنه خرج عن عالم لا يخفى عليه شيء ، والله أعلم.
قوله : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
يحتمل أوجها :
أحدها : أن الله تعالى [على](٣) خلق فعل كل فاعل من خلائقه قدير.
ووجه ذلك : أن الله تعالى قد كان أعلمهم بخلق السموات والأرضين (٤) بقوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) فلما قال : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، لم يكن بد من أن يكون هذا في غير خلق السموات والأرضين ؛ فثبت أن فيه دلالة قدرته على خلق فعل كل مخلوق.
ولأنه لما بلغ قدرته وتدبيره في السموات والأرضين مع عظم أمرهما وشأنهما ، ومع عجز البشر عن تدبير مثلهما ؛ فلأن يبلغ قدرته وتدبيره فيما يقع فيه تدبير البشر ـ وهو أفعالهم ـ أحق ، والله المستعان.
ووجه آخر : أن يقول : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بما وعد وأوعد أو على كل
__________________
(١) في ب : السماء.
(٢) في ب : بينهما.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : الأرض.