صدق محمد وأن القرآن من عند الله فهم في شك وليس عندهم دليل ، ولذلك تارة يقولون : إنه سحر ، ومرة إنه شعر ، وثالثة إنه كهانة.
بل ـ وهذا إضراب عما مضى ـ لما يذوقوا عذابي فإنهم لو ذاقوه ولمسوه لفكروا وتدبروا ، وأدركوا أن محمدا على حق ، ولا غرابة فمن الناس من لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم ، ومن النفوس نفوس كالحجارة أو أشد قسوة لا تفتح إلا بالحديد الصلب والضرب الشديد. وفي التعبير بلما دليل على أنهم على وشك ذوقان العذاب. وما لهم ينكرون إنزال القرآن على النبي؟ ويرون أنه لا يستحق ، بل أعندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب؟ حتى ينكروا ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم؟! نعم فهذه النبوة لا تكون إلا ممن عنده مفاتيح الخزائن كلها ، وهو بخلقه رحيم ورحمن. وهو صاحب العزة والسلطان ، كثير الخيرات والهبات ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ عنده مفاتيح خزائن هذا الكون ، وهو صاحب الرحمة والعزة وواهب الوجود لكل موجود ، والعالم بخلقه الحكيم في صنعه. وقد منح النبوة لمن يستحقها ، فلا يليق بكم أن تعترضوا هذا الاعتراض ، أما أنتم فلا حول لكم ولا قوة. ولا تعلمون شيئا من ذلك ، ليرتقوا في الأسباب ، وليبلغوا ما أرادوا ، وما هم ببالغيه ؛ هم جند هنالك مهزوم من الأحزاب ، وسيهزم جمعهم ويولون الدبر (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)! [سورة القمر آية ٤٦].
ولا غرابة في ذلك فهذا قصص من سبقهم : كذبت قبلهم قوم نوح. وعاد. وقوم فرعون ، وقد كانوا ذوى سلطان ثابت الأركان قوى الدعائم ، وكذبت ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقد أرسل إليهم شعيب فكذبوه فحقت عليهم جميعا كلمة ربك ، وحاق بهم سوء العذاب.
أولئك المكذبون هم الأحزاب المتحزبون على الرسل ، المهزومون ، إن كل إلا كذب الرسل فحق عقابي ، فأغرق قوم نوح ، وأهلك فرعون وجنده في البحر : وقوم هود بالريح ، وقوم صالح بالصيحة ، وقوم لوط بالخسف ، وأصحاب الأيكة بعذاب الظلة.
وما ينتظر المشركون من قريش إلا صيحة واحدة هي النفخة الثانية ، وما لها من فواق أى : ما لها من توقف مقدار فواق ، والمعنى أن الصيحة إذا جاء وقتها لم تستأخر لحظة واحدة ، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، ولما سمعوا أن الله منع عذاب الاستئصال عنهم في الدنيا إكراما للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وجعل عذابهم في الآخرة قالوا : ربنا عجل لنا قطنا وحقنا في العذاب قبل يوم الحساب!