سببا لدخولهم فقالوا : نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ، ولا تجر ، واهدنا إلى سواء السبيل ، ويجوز أن يكونا متخاصمين حقيقة ، ولما دخلوا على داود بلا إذن ، وتوجس منهم خيفة وظن بهم الظنون ، وهم بذلك أن يصيبهم بسوء كانت هذه الواقعة فتنة وابتلاء لداود ، ثم إنه استغفر ربه مما هم به من الانتقام ، وتاب عما دار بخلده من ظن ، وخر راكعا فتاب الله عليه وغفر له.
أما قصتهما كما أخبر فهي : إن هذا أخى ، أى : في الدين والإنسانية له تسع وتسعون نعجة ـ هي الواحدة من الغنم أو بقر الوحش ـ ولى نعجة واحدة ، فقال صاحب الغنم الكثيرة أعطنى نعجتك أكفلها لك وأضمها لغنمي وغلبه في المخاصمة والمجادلة.
قال داود متسرعا قبل أن يسمع جواب الخصم الثاني ـ ولعل هذا هو الذنب الذي ألم به داود ـ : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، وإن كثيرا من الخلطاء والشركاء ليبغى بعضهم على بعض حبا في الدنيا ، وشحا في النفوس إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا يبغى بعضهم على بعض وقليل ما هم.
وظن داود أنما فتناه بهذه الحادثة فاستغفر ربه مما ألم به وتاب ، وخر راكعا وصلى لله قائما وساجدا وأناب ، فغفر له ربه ذنبه ـ لا تنس أن حسنات الأبرار سيئات المقربين ـ وإن لداود عند ربه لقربى ومنزلة كريمة ، وحسن مآب ، أليس وصف داود بعد القصة بأن له زلفى وحسن مآب يدل على أنه عبد صالح أواب يستحيل عليه الإلمام بمعصية تغضب الله.
أما خلافته في الأرض فيقول الله عنها : يا داود إنا جعلناك خليفة لله في أرضه ، خليفة لله على عباده تقيم حكمه ، وتدعو إلى شرعه. وتثبت دعائم عدله وتقضى بين الناس ، فاحكم يا داود بينهم بالحق. ولا يحملنك شنآن قوم على عدم العدل فأنت خليفة أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين ، يا داود لا تتبع الهوى فإن من اتبع هواه ضل ، ومن انحرف عن الصراط وقع في الهاوية ، لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وهو الصراط المستقيم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) وهذا تعليل لما قبله ، إن الذين يضلون عن سبيله لهم عذاب شديد وقعه بسبب أنهم نسوا يوم الحساب ، ولم يعملوا لذلك اليوم ، أولئك الذين نسوا الله فأنساهم العمل لخيرهم فكان جزاؤهم النار وبئس القرار.