ومن هنا نعلم أن الإيمان وحده ـ وهو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله ـ لا يكفى بل نحتاج معه إلى تقوى الله ، وإن كان الإيمان الكامل جامعا لكل شيء ، ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يرشدنا هنا إلى أن المؤمنين هم أولى الناس بتقبل الوعظ وأنهم في حاجة قصوى إلى تقوى الله في كل وقت ، فإنى أسمع من بعض الناس يتشدقون بأنهم مسلمون وليسوا في حاجة بعد الذي هم فيه إلى شيء!
وإن تعلل بعض المؤمنين بأنهم من بيئة لا تقام فيها أحكام الله وفي بلد يسير على غير الطريق المستقيم فليس هذا عذرا فأرض الله واسعة (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (١) وأنتم أيها المسلمون ستلاقون في حلكم وترحالكم وفي جميع أوطانكم بعض العنت والشدة من إخوانكم المواطنين ، ولا علاج لهذا كله إلا الصبر الذي يقضى على الشدائد ، ولكم الجزاء الأوفى على صبركم. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
وأمر الله نبيه أن يقول لهم : إنى أمرت أن أعبد الله وحده مخلصا له ديني عبادة خالية من الشرك والرياء وحب السمعة ، أمر صلىاللهعليهوسلم ببيان ما أمر به من الإخلاص في عبادة الله الذي هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى والإخلاص مبالغة في حثهم على الإتيان بما كلفوه ، وتمهيدا لما يعقبه.
وأمرت لأن أكون أول المسلمين ، أى : المقدم في الشرف والعمل الكامل.
قل لهم يا محمد : إنى أخاف إن عصيت ربي أخاف عذاب يوم عظيم هوله ، شديد ألمه. وفي هذا تحذير للناس وأى تحذير؟! قل لهم : الله وحده أعبد مخلصا له ديني. وليس هذا تكريرا مع قوله : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) لأنه إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإتيان بالعبادة مع الإخلاص : أما قوله : (اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) فهو إخبار بأنه أمر بألا يعبد أحدا غير الله (٢).
فاعبدوا ما شئتم من دونه. وهذا الأمر المقصود منه الزجر والتهديد ، وكأنه قال بعد هذا البيان السابق : فاعبدوا ما شئتم ؛ فأنتم أعرف بأنفسكم.
__________________
١ ـ سورة النساء آية ٩٧.
٢ ـ إذ تقديم المفعول ـ الله ـ يفيد الحصر.