وهو كتاب يشبه بعضه بعضا وتثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام ، أى : تعاد وتكرر بمنتهى البلاغة وروعة التصوير ودقة التعبير.
هذا وصفه في نفسه ، فإذا سمعه المؤمنون اقشعرت منهم الجلود ، واضطربت منهم القلوب ، ووجلت منهم النفوس ، إذا سمعوا وعيد الله ، ورأوا بعيون البصيرة ما أعد للمكذبين الكفار دمعت عيونهم وخشعت أصواتهم ، واقشعرت جلودهم ، ثم تلين قلوبهم وتسكن حينما يسمعون ذكر رحمة الله بالمؤمنين ، تفرح نفوسهم ، وتنشرح صدورهم إلى ذكر فضله على المؤمنين يوم لقائه.
عن أسماء بنت أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنهما ـ قالت : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قرئ عليهم القرآن ـ كما نعتهم الله ـ تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم ، فقيل لها : فإن أناسا اليوم إذا قرئ القرآن خر أحدهم مغشيا عليه ، فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ومر ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ برجل من أهل القرآن ساقطا ، فقال : ما بال هذا؟ قالوا : إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط : فقال ابن عمر : إنا لنخشى الله وما نسقط .. ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم
ذلك ـ والإشارة إلى الكتاب الذي مر ذكر وصفه ـ هدى الله ، يهدى به من يشاء من عباده ومن يضلله الله فما له من هاد يهديه بعده ، ومن هنا ندرك أن القرآن وتلاوته وسماعه هو سر شرح الصدور ، والعامل الأول في جلاء القلوب وإزالة صدأ النفوس.
هل يستوي المهتدى إلى نور الحق والضال عن سواء السبيل؟ لا يستويان بحال (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)؟ بمعنى : أكلّ الناس سواء؟ فمن شأنه أن يتقى ـ بوجهه الذي هو أشرف أعضائه ـ يتقى به العذاب السيئ يوم القيامة لأن يده التي جعلت للاتقاء بها مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكروه ، ولا يصيبه سوء أبدا؟ من يسوى هذا بذاك؟ وكيف يستويان؟! أحدهما كافر بالقرآن متحزب مع الشيطان والآخر قد اهتدى بنور القرآن ، وأفعم قلبه وصدره ببرد اليقين ونور رب العالمين.
ولا يستويان وقد قيل للظالمين : ذوقوا ما كنتم تكسبون ، وهذا عذاب الكفار يوم القيامة ، وهاك عذابهم في الدنيا : كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب المقدر لهم