المفردات :
مسه : أصابه (خَوَّلْناهُ) : أعطيناه وملكناه (فِتْنَةٌ) : اختبار وابتلاء (بِمُعْجِزِينَ) : بسابقين الله وبفائتيه.
المعنى :
وتلك سيئة أخرى من سيئاتهم المتكررة ، وهذه كلها تنشأ من أنهم لا يؤمنون حقا بوجود إله قوى يصرف هذا الكون ، فهم ينظرون إلى الدنيا نظرة سطحية خاطئة ، فإذا مسهم الضر ، ووقعوا في الشدة لجئوا إلى الله ، ودعوه منيبين إليه ، ثم إذا كشف الضر عنهم ، وخولهم ربك نعمة من عنده نسوا ما كانوا يدعون من قبل وقالوا : إن هذا الخير وصل إلينا لعلم عندنا بأمور الدنيا (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص ٧٨].
وهكذا الإنسان يلجأ إلى الله في الشدائد حتى إذا نجا وأدرك ساحل السلامة وآتاه الله بسطة في مال أو جاه قال : إنما حصل لي هذا بسبب نشاطي وجدي وكمال عقلي وقوة حدسى ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم دائما يذكرون الله في السراء والضراء ، فإن مسهم خير شكروا الله لأنه صاحب النعمة ، وإن مسهم ضر صبروا ولجئوا إلى الله لأنه وحده هو الذي يكشف الشر ، أيها الناس : لا تغتروا بما أوتيتم ، بل النعم فتنة وابتلاء ؛ ليعلم أتشكرون أم تكفرون ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن إعطاءهم بلاء واختبار!
قد قال مقالة الكفار هذه الذين من قبلهم من كفار الأمم السابقة ، وهذا دليل على أن ذلك طبع في الإنسان ، إنه كثير النسيان ، مغرور بما أعطى من مال أو جاه ، قد قالها من قبلهم ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون. لم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله ، فأصابهم سيئات ما كسبوا ، والذين ظلموا من هؤلاء ـ أى : كفار مكة ـ سيصيبهم سيئات ما كسبوا فإنهم مغرورون بأموالهم ، وكثيرا ما قالوا : أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا؟! أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء له ذلك ولو كان كافرا جاهلا ، وله في ذلك حكم تخفى على كثير من الناس ، والله يقتر الرزق على من يشاء ولو كان مسلما عاقلا حكيما ؛ لحكم هو وحده يعلمها ، فليس الرزق