له ولأتباعه ، وإن يك صادقا في الذي يحذركم به من عذاب الدنيا والآخرة فلا أقل من أنه يصيبكم بعض الذي يعدكم ، واعلموا أن الله لا يهدى من هو مسرف في قوله وعمله وهكذا فيما يدعيه. وقد هدى الله الرجل إلى الحق فبعيد جدّا أن يكون كما تقولون : مسرف كذاب.
المعنى :
وهذه مقالة الرجل الذي امتلأ قلبه بنور الإيمان ، وخالط بشاشته برد اليقين فنظر إلى الدنيا نظرة الحكيم العاقل ، فقال : يا قومي لكم الملك اليوم ـ ملك ظاهرى ـ حالة كونكم ظاهرين لا يعلو عليكم أحد غالبين لا يغلبكم أحد في أرض مصر ، يا قوم لا تفسدوا أمركم ، ولا تزيلوا عزكم بتعرضكم لهذا الرجل الذي يقول : ربي الله ، ولا تتعرضوا لبأس الله ، فإنه إن جاءنا لم يمنعه مانع ، فمن ينصرنا من بأس الله؟
قال فرعون بعد سماعه لهذا الكلام : ما أريكم إلا ما أرى ، ولا أشير عليكم إلا بقتله حتى نستريح ، وما أهديكم بهذا الرأى إلا سبيل الرشاد وطريق الصواب.
وقال الذي آمن : يا قوم إنى أخاف عليكم يوما يجعل الولدان شيبا ، يا قوم إنى أخاف عليكم من تكذيب موسى والتعرض له بسوء أن يحل بكم مثل ما حل بالذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم الماضية فقد أخذهم ربكم أخذ عزيز مقتدر ، وحل بهم الخسف والإغراق ، وما الله بهذا يريد ظلما للعباد ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون بتكذيبهم الأنبياء ، وتعرضهم لهم بالسوء.
هذا الذي أخافه عليكم في الدنيا أما في الآخرة فإنى أخاف عليكم يوم التنادى الذي هو يوم القيامة ، وما أكثر النداء فيه!! فيه ينادى أصحاب الجنة أصحاب النار ، وفيه ينادى أصحاب النار أصحاب الجنة ، وينادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ـ كما ذكر هذا في سورة الأعراف ـ وينادى المنادى بالشقوة لأهل الشقاء ، وبالسعادة لأهل السعادة وفيه تنادى الملائكة كلا بما يستحقه (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) إنى أخاف عليكم يا قوم يوم التنادى يوم تولون مدبرين هاربين ما لكم من الله من عاصم ، وليس لكم من دونه ملجأ (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ومن يضلل الله فما له من هاد ، ومن يهد الله فما له من مضل ، وكل ميسر لما خلق له.