ويا قوم : مالي أدعوكم إلى النجاة من عذاب النار وغضب الجبار ، وأنتم تدعونني إلى النار وعذاب الجبار ؛ إذ تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم ، أى :
ما ليس له حقيقة في الوجود حتى أعلم به فنفى العلم هنا كناية عن نفى المعلوم ، وأما أنا فأدعوكم إلى العزيز الغفار الموصوف بكل كمال المنزه عن كل نقص.
لا شك أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ، أى : ثبت وحق عدم دعوة الذين تدعونني إليه من الأصنام إلى عبادته أصلا من أن من حق المعبود بالحق أن يدعو عباده إلى عبادته ، ويظهر ربوبيته لخلقه ، وما تدعونهم أصناما وأحجارا لا نفع لها ولا ضرر لا تسمع ولا تبصر ، فليس لها دعوة إلى عبادتها في الدنيا ، في الآخرة يتبرءون من عبادتكم لهم واعلموا أن مردنا إلى الله ، وأن المسرفين في ارتكاب الذنوب والآثام هم من أصحاب النار.
يا قوم ستذكرون ما أقوله لكم يوم لا تنفع الذكرى ، وستندمون يوم لا ينفع الندم ، وأما أنا فسأفوض أمرى إلى الله ليعصمني من كل سوء ومكروه ؛ إن الله بصير بالعباد ، فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وكفاه شر المستهزئين به المعاندين له ، وحاق بآل فرعون العذاب السيئ وأحاط بهم من كل جانب ، وما هو العذاب السيئ؟ هو النار يصلونها ويحرقون بلهيبها ، ويعرضون عليها صباحا ومساء.
ومن هنا كان القول بعذاب القبر. وصح ما روى عن بعضهم : إن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها ، يشهد بذلك ما روى عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنّ الكافر إذا مات عرضت روحه على الجنّة بالغداة والعشىّ» وخرج البخاري ومسلم حديثا كهذا. روحه على النّار بالغداة والعشىّ» ثم تلا : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) وإنّ المؤمن إذا مات عرضت روحه على الجنّة بالغداة والعشىّ» وخرج البخاري ومسلم حديثا كهذا.
ويوم القيامة يقال للملائكة : أدخلوا آل فرعون أشد أنواع العذاب ، وهذا دليل على أن عرض النار عليهم في الدنيا ، وأن عذاب القبر حقيقة واقعة ، والله أعلم.