وكتاب فصلت آياته حالة كونه قرآنا عربيا نزل بلغة العرب ، وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ، فهو أنزل عربيا لقوم يعلمون أسراره ويدركون معانيه (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) (١) حالة كونه بشيرا لمن آمن ، ونذيرا لمن عصى فنشأ عن وصف القرآن بهذه الصفات أن أعرض عنه أكثر أهل مكة فهم لا يسمعون سماعا ينتفعون به.
وقالوا : قلوبنا في أغطية تمنعنا من فهم ما تدعونا إليه من أمر التوحيد والإقرار بالبعث والتصديق بالرسالة ، وفي آذاننا وقر وصمم يمنعنا عن السماع ، ومن بيننا وبينك حجاب سميك ابتدأ من عندنا وانتهى إليك. هذا الحجاب يمنعنا عن سماع ما تدعو إليه تراهم وصفوا أنفسهم بثلاث صفات : قلوبهم في أغطية ، وفي سمعهم صمم ، وبينهم وبينك حجاب.
يقول بعض العلماء : هذه تمثيلات لبعد قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقاده ، ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول ، وقيل : إنهم شبهوا قلوبهم بالشر المحاط بالغطاء المحيط له بجامع عدم الوصول له من أى ناحية : وشبهوا أسماعهم بآذان بها صمم حيث لم تنتفع بشيء من دعوة النبي ، وشبهوا حال أنفسهم مع الرسول بحال شيئين بينهما حجاب سميك يمنع من وصول أحدهما إلى الآخر.
وإذا كان الأمر كذلك فاعمل على دينك ، إننا عاملون على ديننا.
وانظر إلى رد القرآن عليهم الذي أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم : قل لهم : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ، أى : لست ملكا ولا جنيا ، وإنما أنا بشر مثلكم وواحد منكم فكيف تقولون : إن بيننا وبينك حجاب؟ والحجاب المانع عن التفاهم يعقل لو كان النبي من جنس آخر أو يتكلم بلغة أخرى لا تفهم ، وكأن النبي يسل سخائم حقدهم بقوله : أنا بشر مثلكم لم أزد عليكم في شيء ، ولست مكلفا بأكثر مما يعمله البشر غاية الأمر أنه أوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ، وكلفت بتبليغكم هذه الحقيقة فكيف نقول : إن قلوبنا في أكنة من هذه الحقيقة ، وفي آذاننا وقر فلا نسمعها ، أى أن دعوتكم حقيقة يقر بها العقل ، ويدعو إليها المنطق السليم ، والعقل الرشيد ، فكيف يكون هذا موقفكم من هذه الدعوة؟!
__________________
١ ـ سورة فصلت آية ٤٤.