كيف تجعلون منها شريكا وندا؟ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا خلق الأرض في يومين ، وجعل فيها رواسى ثابتات من الجبال الشامخات قدر ذلك وأراد أن تكون الجبال من فوقها كأوتاد ، وانظر إلى قوله : خلق الأرض وجعل فيها رواسى فالخلق إيجاد من العدم. والجعل تحوير وتبديل في نفس الشيء فكان الخلق بالأرض أولى ، وكان الجعل بالرواسى أنسب.
وبارك فيها أى قدر ـ سبحانه ـ أن يكثر خيرها. ويزداد نفعها من نبات وحيوان وأنهار ومعادن ، وقوى خفية فيها سيظهرها علام الغيوب على أيدى سكان تلك المعمورة.
وقدر فيها أقواتها ، وبين كميتها وأقدارها التي تتناسب مع سكانها وأبنائها وقد سمعنا أن سكان الأرض عددهم (كيت) فأصبحوا الآن يزيدون أضعافا مضاعفة وهم في ازدياد مطرد ومع هذا فالأقوات موجودة والخير كثير ، وإنما نحن في حاجة إلى مواصلة الجهود ، واستخدام الطاقة والانتفاع بالطبيعة في كل مظاهرها.
كل ذلك حصل في أربعة أيام : استوت استواء بلا نقصان ولا زيادة ، يومان في خلق الأرض ، ويومان في جعل الرواسي وتقدير الأقوات فتلك أربعة كاملة ، ثم يومان آخران في السموات السبع فتلك ستة أيام كما نطقت الآيات ، والله هو القادر على خلق العالم كله علويه وسفليه في لحظة ، ولعله يعلمنا التأنى ، ويرشدنا إلى الصبر.
ثم استوى إلى السماء وقصد إليها ، وهي دخان الله أعلم وحده بكنهه وحقيقته ، وكل ما وصل إلينا عن طريق الأخبار فشيء لا نجزم بصحته ، وما يقرره العلم كنظرية السديم فشيء ينقصه الدليل العلمي القاطع : فقال لها وللأرض : ائتيا طوعا أو كرها ، والظاهر والله أعلم أن الأمر في قوله : ائتيا طائعين أو مكرهين للأرض والسماء أمر تكويني كقوله لشيء كن فيكون ، أى : كونا وأحدثا على وجه معين ، وفي وقت مقدر ، ويكون ـ كما قلنا ـ خلق الأرض ، وجعل فيها رواسى ، وبارك ، وقدر فيها أقواتها كلها مراد منها التقدير ، أى : قدر خلق الأرض وجعل الرواسي والبركة وتقدير الأقوات ، ويكون هنا قوله : ائتيا طوعا أو كرها بيان لكيفية التكوين إثر بيان كيفية التقدير.