المعنى :
إن الذين قالوا : ربنا الله وحده ، لا شريك له ولا إله غيره ، قالوا هذا اعترافا بربوبيته ، وإقرارا بوحدانيته ، وأنه ـ عزوجل ـ مالك الأمر ومدبره وأن الخلق عبيد له ومربوبون بين يديه لا حول لهم ولا طول.
ثم (١) استقاموا على الطريقة وداوموا السير على الصراط المستقيم فلم تزل قدمهم عن طريق العبودية قلبا وقالبا ، ونية وعملا واعتدلوا على منهج الطاعة ومنهج العبادة قولا وعملا وعزما ، وداوموا على ذلك أولئك تنزل عليهم الملائكة في كل وقت وحين وخاصة عند الموت وفي وحدة القبر وعند شدة الحساب وهوله ، وقيل : إن الملائكة تتنزل على عباد الرحمن وجند القرآن يمدونهم فيما يعن ويطرأ عليهم من الأمور والمشاكل الدينية والدنيوية ، ويتنزلون عليهم بما يشرح صدورهم ، ويدفع عنهم هموم الخوف والحزن ، وقد ثبت أن «للشيطان لمة ، وللملك لمة» وقد عرفنا أن للكفار قرناء زينوا لهم كل معصية وكفر. وللمؤمنين أولياء من الملائكة يدفعون عنهم كل هم وغم ويتنزلون عليهم بكل خبر سار وإرشاد سليم وبشرى كريمة ويقولون لهم : أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
ويقول الله لهم : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فالله ولى الذين آمنوا يخرجهم من ظلمات النفس والشيطان إلى نور الهدى والقرآن ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ، والله ولى المتقين يوم القيامة يثيبهم ويجازيهم بما قدموا أحسن الجزاء.
ويصح أن يكون هذا من كلام الملائكة كما يقتضيه السياق العام ، على معنى نحن أعوانكم في الدنيا نلهمكم الحق ونرشدكم إلى الصواب ، ولعل ذلك عبارة عما يخطر في بال المؤمنين حين يعملون الخير أن ذلك يرضى الله وهو بتوفيقه. ونحن أولياؤكم في الآخرة نمدكم بالشفاعة ونلقاكم بالتحية والكرامة ، في حين يلقى المشركون أولياءهم بالكراهية والبغض والتنكر ، ولكم فيها ما تدعون حالة كونه نزلا من غفور رحيم. والنزل ، ما يعد للضيف من إكرام له ، ولا مانع من إطلاقه على ما يعد للمتقين يوم القيامة على سبيل التشبيه للإشارة إلى عظم ما يعد لهم من الكرامة والإجلال.
__________________
(١) ثم وضعت للدلالة على الترتيب مع التراخي في الزمن ويصح هنا أن تكون للترتيب الرتبى.