عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) وقد استحم ، أى : اغتسل بالحميم ، ثم صار كل اغتسال استحماما ، ولا شك أن صديقك يزيل عنك الأدران الحسية والمعنوية كالماء. ولذا سمى حميما (يَنْزَغَنَّكَ) النزغ والنخس واحد ، والمراد : صرفك عن الخصلة الفاضلة صارف فاستعذ.
هذه السورة مكية كما مر ، وفيها نقاش المشركين الذين يقولون : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، وقالوا لبعضهم : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون. وهذا بلا شك مما يؤذى النبي ويقطع أمله في هدايتهم فبين الحق ـ تبارك وتعالى ـ هنا أن الواجب عليك يا رسول الله أن تتابع المواظبة في الدعوة والسير في طريقها مهما لاقاك من صعاب فإن الدعوة إلى الله أكمل الطاعات وأحسن العبادات ، ولا عليك شيء أبدا بعد اتباع هداية القرآن والتخلق بخلقه.
ولنا أن نقول وجها آخر ـ كما ذكره الفخر ـ ولعله أنسب ، وخلاصته أن المبادئ المسلم بها : أصلح نفسك ثم ادع غيرك ، ولا شك أن مرتبة دعوة الغير إلى الهدى والخير مرتبة عالية ، ولا يلقاها إلا أفراد قلائل زكت نفوسهم وطهرت أرواحهم وامتلأت إيمانا ويقينا.
أما مرتبة تربية النفس وإعدادها فهي مأخوذة من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) الآية.
وأما المرتبة الثانية فهي مأخوذة من قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
الرأى الأول مبنى على أن قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) نازلة في شأن النبي صلىاللهعليهوسلم ولتوبيخ الذين تواصوا باللغو في القرآن.
وأصحاب الرأى الثاني توسعوا في مدلول اللفظ فقالوا : هذه الآية تشمل كل من دعا إلى الله بالموعظة والحجة ، وسوق البرهان والقتال بالسيف إذا لم تنفع الحجة.
المعنى :
ولا أحد أحسن قولا ، وأرفع منزلة ممن دعا إلى الله ودعا غيره ـ بعد تكميل